يمني: التمكين للشباب كان دائما في قلب الأولويات الملكية

الاثنين 21 أغسطس 2023
No Image


تفعيلا للتعليمات، أطلق المغرب العديد من البرامج الهادفة إلى الإدماج الاقتصادي للشباب بما يتيح إحداث فرص الشغل. في هذا الحوار، يدعو أستاذ السياسات العامة، عبد الغني يمني، المسؤولين ومختلف الفاعلين إلى التحلي بروح الجدية، كما جاء في خطاب العرش الأخير، لتنزيل هذه البرامج بالشكل الأمثل.


تعددت المبادرات الملكية الهادفة إلى الإدماج الاقتصادي للشباب. كأستاذ للسياسات العامة، كيف واكبتم هذه المبادرات؟

التركيز على الشباب والالتزام الملكي بتعزيز مكانة الشباب في الدينامية الاقتصادية والمجتمعية، والاستفادة من طاقات هؤلاء الشباب في الإصلاحات الكبرى ومختلف المشاريع، بما يضع هذه الفئة في قلب نهضة متكاملة الأطراف، ليس بالأمر الجديد. الشباب كان دائما في قلب أولويات جلالة الملك محمد السادس، حيث دعا في العديد من الخطب الموجهة إلى الأمة إلى التفكير الجاد والمسؤول من أجل احتواء أي هدر لإمكانات الشباب، مما يعيق الإقلاع والتنمية. لكن في المقابل يتعين على المسؤولين التحلي بالجدية من أجل التنزيل الأمثل لهذه المبادرات. على ذكر الجدية، أحيلكم على خطاب العرش الأخير. جلالته استعمل هذه الكلمة 14 مرة لتوضيح أن بناء الدولة والأمة يتطلب الجدية اللازمة حتى لا يكون هناك أي إقصاء لاسيما بالنسبة للشباب.
المبادرات الملكية متعددة من قبيل برنامج «انطلاقة» مثلا، الذي يهدف إلى دعم وتمويل مقاولات الشباب بما يضمن إحداث فرص الشغل، من خلال تسهيلات ائتمانية منخفضة السعر وبدون التوفر على ضمانات أو رهون. إلى غاية يناير 2023، سجلت حصيلة هذا البرنامج استفادة أكثر من 29 ألف مشروع، فيما بلغت القروض الممنوحة 7.6 ملايير درهم.
الحكومة الحالية، وتماشيا مع التعليمات الملكية، أطلقت «فرصة» وهو برنامج يستهدف جميع الأشخاص، الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما، من حاملي الأفكار أو المشاريع المقاولاتية، حيث يتم تمويلهم عن طريق قرض شرف بحد أقصى يبلغ قدره 100.000 درهم، بما في ذلك منحة تصل إلى 10.000 درهم، علما بأن جميع قطاعات الأنشطة مؤهلة للتمويل، بينما تصل أقصى فترة دفع للقرض إلى 10 سنوات مع فترة تأجيل مدتها سنتان. هناك أيضا برنامج «أوراش» الهادف إلى إحداث 250 ألف منصب سنوي وبتمويل يقارب 2.25 مليار درهم. إلى جانب هذه المبادرات الهادفة إلى تحفيز روح المقاولة لدى الشباب بما يضمن إحداث فرص الشغل، هناك أيضا المشروع الرائد لتزويد كل جهة من جهات المملكة بمنظومة للمهن والمهارات.
هذه المبادرات يمكن أن نصنفها في خانة السياسات العمومية، لكن يتعين على المسؤولين على تنفيذها العمل على تتبعها وتقييم حصيلتها من أجل استيعاب طموحات الشباب. يجب ألا ننسى أن ساكنة المغرب تضم 5.9 ملايين شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة أي 15.4 في المائة من إجمالي الساكنة، كما أن 78 في المائة من الشابات مستبعدات من سوق الشغل ومن مسالك التكوين المهني، وأن 45 في المائة من الشباب يعيشون في العالم القروي، و1.7 مليون شاب هم ضمن فئة ما نسميه «NEET» أي أولئك الشباب غير المدمجين لا في التعليم، لا في التكوين المهني ولا في سوق الشغل.

إلى أي حد تتماشى هذه المبادرات مع النموذج التنموي الجديد؟

التصور الملكي، المبادرات والنموذج التنموي الجديد، كل ذلك يتلاقى في إحداث نمو اقتصادي متين. بناء سيادة غذائية وصناعية وصحية واقتصادية وتقليص الواردات من السلع المصنعة. هناك مضاعفة العمالة في إطار الاقتصاد المهيكل من 41 في المائة إلى 80 في المائة. يصب ذلك أيضا في الوصول إلى مضاعفة الناتج الإجمالي الوطني في أفق سنة 2023، مما يعني رفع حصة الفرد من هذا الناتج إلى 8 آلاف دولار.
يتعين التذكير كذلك في أن النموذج التنموي الجديد جاء بعدما أصبح النموذج السابق، حسب ما أشار إلى ذلك خطاب جلالة الملك في 13 أكتوبر 2018 أمام البرلمان، غير قادر على تلبية المطالب الملحة والاحتياجات المتزايدة للمواطنين، وكذلك على مستوى تقليص الفجوات بين الأقاليم والجهات وتحقيق العدالة الاجتماعية.
هذه الأهداف قابلة للتحقيق. ومن الأمثلة على ذلك، تركيا في نهضتها الاقتصادية، تمكنت من مضاعفة ناتجها المحلي 5 مرات ما بين 1990 و2010 حيث انتقلت حصة الفرد من 2800 دولار إلى 10 آلاف دولار. كوريا الجنوبية من 6600 دولار في 1990 إلى 23 ألف دولار مما يعني مضاعفة بأربع مرات.
لذلك أعود لأقول إن المحدد الرئيسي لقدرة المغرب على تكوين الثروة وتسريع التقارب مع معايير الدول المتقدمة يتطلب الانخراط في تفعيل النموذج التنموي الجديد الذي تم إطلاقه بمبادرة ملكية، لذلك يتعين على المسؤولين الالتزام بمعايير الجدية والحكامة والفعالية من أجل تجسيد هذا النموذج على أرض الواقع، وذلك في مقابل تحلي الشباب بدورهم بالجدية والواقعية والالتزام.

لكن باعتراف وزيرة الاقتصاد والمالية، وكذلك التقرير الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، هناك عراقيل تعترض تنزيل بعض المبادرات من قبيل "انطلاقة"؟

هذا صحيح. بالنسبة لانطلاقة الذي أطلق في شتنبر 2021، لاحظنا أن نسبة رفض الملفات من لدن البنوك، وهي على كل حال تبقى مؤسسات خاصة وليست عمومية، بلغت 30 في المائة. هذه النسبة غير مفاجئة بالنظر إلى أن الكثير من ملفات المشاريع المقدمة، تعتريها ثغرات وغير ناضجة، وأنا في هذا الإطار متفق مع استنتاج السيدة وزيرة الاقتصاد والمالية. ففكرة مشروع أو ريادة الأعمال تتطلب مهارات حرفية وكذلك التمكن من الآليات المالية والحساباتية. هذه كلها مجالات متكاملة لكنها متفرقة. لذلك كان يتعين برسم هذه البرامج تشجيع المبادرات التشاركية بين شباب من تخصصات متعددة، وفي نطاق إنشاء شركات بأكثر من مساهم كما هو الشأن بالنسبة للشركات الناشئة «START- UP». هناك أيضا مشكل التواصل والتحسيس، إذ إن الكثير من البرامج تكاد تكون غير معروفة لدى كل الشباب، بل غير معروفة حتى لدى بعض مسيري الوكالات البنكية بالمدن الصغيرة والمناطق النائية. لذلك تحدثت الوزير على ضرورة إبرام شراكات مع الغرف المهنية ومراكز الاستثمار الجهوية، لتمكين تدفق المعلومات.
إضافة إلى ذلك، بالنسبة لي، تبقى مشاركة الشباب في تطوير السياسات العمومية على كافة المستويات ضرورية، لأنه من غير الممكن تشخيص احتياجات هذه الفئة دون إشراكها في وضع هذه السياسات. أسوق في هذا الإطار دولة كندا التي أطلقت حكومتها في سنة 2018 حوارا وطنيا مع الشباب حيث تم اختيار 5000 شاب من أجل إعداد 10 آلاف رد و68 موجزا حول 6 مجالات ذات أولوية بالنسبة لبلدهم، وذلك من قبيل مجالات الصحة الرفاهية، الابتكار والمهارات، التعليم واللغات، الهندسة الرقمية والبيئة والتغيرات المناخية.
لذلك أعود لأقول إن الشباب المغرب قادر على ربح مختلف هذه الرهانات، لأنه مؤمن بمستقبل بلاده وبالنهضة التي يعيشها تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس. الشباب المغربي، ذكورا وإناثا، أظهر وطنيته وطموحه وإصراره في كثير من المحافل الدولية. مونديال قطر الأخير والإنجاز الأخير للمتخب المغربي النسائي لكرة القدم، وكذلك إنجازات شباب مغاربة في مجالات علمية وثقافية وفنية أخرى أشياء تبعث على الفخر والثقة في قدرات بلادنا.


في رأيكم ما الذي يتعين فعله من أجل التنزيل الأمثل لهذه البرامج؟


ما يثيرني تعدد البرامج، لأن الأمر مربك للممول، مربك للقطاعات المنتجة، ومربك في المقام الأول للشباب. يجب التركيز على أن الهدف هو نقطة الوصول. فالإقلاع الاقتصادي واستيعاب سوق الشغل للعائد الديمغرافي للشباب يتطلب مشاريع صناعية أو تحويلية ذات قيمة مضافة مرتفعة ومرتبطة أساسا بمهارات المستقبل. خلاصة الأمر، يتعين أن نعد شبابنا، ليصبح قابلا للعب أدوار طلائعية في الهجرة الدائرية للتقنيين والمهندسين والحرفيين المطلوبين في سوق العمل العالمي.
في هذ الإطار أتمنى إطلاق مبادرات موازية على مستوى تكريس التدريب المهني وتسريع التعليم العالي بالتناوب بين الجامعات والمقاولات مع إحداث منصة رقمية، تمكن شبابنا والشباب القادم من إفريقيا جنوب الصحراء، الذي يتابع تكوينه العالي بالمغرب، من الحصول على الدورات التدريبية الإلزامية في سلك الإجازة والماستر.
وفي الأخير يجب ألا ننسى شباب العالم القروي، الذي يعاني منذ وقت طويل من الهدر المدرسي بالنظر إلى ضعف الدخل العائلي واستبعاد الفتيات لظروف متعددة. وهنا أعود إلى الأهداف التي حددها جلالة الملك في الاستراتيجية الفلاحية والقاضية بتمكين الشباب من الأراضي، إنصاف صغار الفلاحين، تشجيع التعاونيات التي تقودها نساء وشباب، أي تهييء الظروف المواتية من أجل بروز طبقة متوسطة فلاحية، منخرطة في الإنتاج ذي القيمة المضافة العالية، كما تعتمد أساليب الري الممتاز، واستخدام الطاقات المتجددة النظيفة وغير المكلفة، فضلا عن استعمال التقنيات الرقمية ووسائل التسويق الحديثة، مع الضرب من حديد على مختلف أشكال المضاربة والتحايل التي تضر بتوازن العرض والطلب.