نجوم التغيير

يونس دافقير الجمعة 18 أغسطس 2023
No Image

AHDATH.INFO

رائع ما تقوم به المملكة العربية السعودية من بوابة الكرة. نحن شهود عصر على أكبر عملية إعادة هندسة مجتمع بشري. نجوم الكرة العالميون يساهمون في صناعة تاريخ سياسي جديد للخليج، بعدما صنعوا للكرة مجدها في الملاعب الأوروبية.

يختلف الأمر عن التجربة القطرية في كأس العالم، في مونديال قطر 2022 كنا أمام مشروع تسويقي محدود قي الزمن ( عمر المونديال)، وفي مساعي تدويل البطولة السعودية ينتصب أمامنا مشروع تسويق ممتد في زمن أطول من الزمن القطري.

من ناحية أخرى، سوقت قطر عبر الكرة صورة بلد يرتكز إلى مجتمع مستقر في محافظته، بينما تبدو الأدوات الكروية في السعودية وسيلة لتسويق بلد قيد التغير وإعادة التشكيل.

منذ مدة لم يعد الحديث عن مملكة آل سعود مرتبطا بقط_ ع ي_د السارق، ولا بعمليات فرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا حتى بجواز قيادة المرأة للسيارة من عدمه ... إسم المملكة صار مرتبطا باستقطاب أغلى وأمهر نجوم الكرة، وحفلات مطربين ومطربات لم يكن لهم ولهن مكان تحت شمس الإسلام الوهابي الحارقة.

لم تتوجه رؤية السعودية 2030 إلى تحويل البنيات الاقتصادية فقط، بالموازاة مع ذلك هناك عمليات كبرى لتغيير بيئة الإنسان السعودي وعقليته، وتصور الآخرين عنه.

نجوم الكرة العالميون يساهمون في أكبر عملية تحول مجتمعي تشهده منطقة الشرق الأوسط، يمكنهم أن يلعبوا الكرة في أي مكان كما لعبوها في أزقة طفولتهم، لكن الفرص العظيمة في التاريخ ناذرة ولا تتكرر دائما.

اعترفت السعودية بمسؤوليتها عن انتشار الإسلام الوهابي وما نتج عنه من تطرف راديكالي، وانخرطت في توازنات جديدة بين الدنيا والآخرة، لقد تغير السعوديون بفضل النمو الديمغرافي والثروة والتكنولوجيات الحديثة، ولذلك أجبروا نظامهم الايديولوجي على أن يتغير ..

تقدم فرنسا التاريخية نموذج مجتمع يتغير من تحت بسبب تحول بنياته الاقتصادية، والإنجليز قدموا في تاريخهم نموذج التغيير من فوق بواسطة القوانين، في الواقع تجمع السعودية بين التغييرين من تحت ومن فوق.

لم يعد ولي العهد السعودي ذاك الرجل الذي قدمه بعض الإعلام الغربي على أنه مولع بألعاب القتال، ولا صاحب المنشار ... هو اليوم صورة القائد المثالي في أعين الغرب، صورة ولي عهد يقود مملكته نحو مجتمع الحرية والمتعة والفرجة والثراء..

تلك صكوك غفرانه، وكذلك كان.

غير أن محمد بنسلمان ليس صائد نجوم الكرة فقط، هو يصطاد الفرص الجيوستراتيجية كذلك، مصالحته مع إيران وانفتاحه على التطبيع مع إسرائيل يعيدان صياغة شرق أوسط جديد.

قال لي مسؤول دبلوماسي مغربي رفيع قبل عامين : " نحن أمام عقلية شرق أوسطية جديدة تختلف عما اعتدناه كلاسيكيا، على المغرب أن يعيد قراءة المنطقة جيدا".

يحق للعرب والمتعاطفين معهم أو المتعايشين معهم من الأعراق الأخرى أن يفخروا بما تنجزه قطر والإمارات والسعودية في منطقة الخليج وما تمسك به من خيوط اللعبة الدولية، لقد انتهى زمن "الحكرة" الغربية، ولم تعد شعوب المنطقة وكالة من غير بواب.

يطرح سؤال؛ أين الديمقراطية من كل هذا؟ جوابي يقوله أرسطو وهو يؤكد أن "كل دولة ( نظام سياسي) تحمل في أحشائها عناصر فنائها".

ما يعتمل اليوم في أعماق المجتمعات الخليجية سيسقط يوما الاستبداد السياسي مثلما أسقط اليوم السجون الايديولوجية التي اعتقلت الإنسان الخليجي زمنا طويلا..

اللعاقة تغير الإنسان والحيطان. هذه حقيقة مؤكدة.