AHDATAH.INFO- حوار حكيم عارف
كانت إسبانيا، وبقرار قانوني صادق عليه مجلس الشيوخ وتضمنه خطاب ملكها فيليبي السادس، قد فتحت الأبواب مجددا أمام عودة أحفاد اليهود الذين طردوا من أراضيها خلال فترة محاكم التفتيش التي أعقبت حقبة «لا ريكونكويستادا» الشهيرة، وتحديدا في فترة حكم الملكة إيزابيل الكاثوليكية. ودفع هذا القرار آلاف اليهود إلى بذل الكثير من المال من أجل الوقوف على حقيقة إلغاء القرار. جاسون كوبرمان، المدير التنفيذي لفيدرالية السفارديم الأمريكان، يشرح في هذا الحوار مع مجلة "لوبسيرفاتور دي ماروك" خلفيات الإلغاء ويعود إلى حلقات هذا التاريخ المؤلم، ويقدم المغرب كنموذج للتعايش والحماية التي استفاد منها المطرودون من جنة الأندلس.
- كيف يمكن فهم إصرار اليهود على الحفاظ على الهوية الإسبانية، علما بأن أجدادهم طردوا بطريقة وحشية من إسبانيا في نهاية العصور الوسطى حيث اضطروا للانتقال للعيش في بلدان مسلمة أو مسيحية؟
** نفس السؤال الذي طرحه أ.ب يوهوشع، الكاتب الإسرائيلي السفاردي الشهير والمتحدر من أسرة مختلطة عاشت في القدس، والتي تأتي جذورها من المغرب وسالونيك في شبه الجزيرة الإيبيرية. هذا الاعتزاز بالهوية يمكن فهمه في إطار محاكاة تعني أنهم قالوا لمن طردوهم: لقد نجحتم في إخراج أجسادنا من إسبانيا، لكنكم لن تفلحوا في إخراجها من أرواحنا.
أحدثكم الآن من مكتب الفيدرالية السفاردية الأمريكية وجمعية ميمونة في الرباط، في المغرب هنا حيث وجد أسلاف اليهود السفارديم ملجأ وحماية بعد الطرد من إسبانيا. يجب أن نعلم أنه في تاريخ سابق، وتحديدا في نهاية القرن السابع، دفعت القوانين ضد اليهود التي وضعتها كنيسة طليطلة، والتي طالبتهم بتغيير ديانتهم وشجعت على خطف أطفالهم، إلى اللجوء إلى المغرب. وقد عاد الكثير من اليهود مرة أخرى إلى إسبانيا بعد الفتح الإسلامي.
خلال الـ800 سنة الموالية لهذا الحدث، طور اليهود السفارديوم شكلا دينيا يهوديا أرثوذوكسيا ولكنه متنوع بشراكة مع المسلمين والمسيحيين، فما يعرف بـ«لاكونفيفيانسيا» التي ميزت العصر الذهبي ارتكزت على «التنوير»، ومازال إشعاعها ملهما للمؤمنين على الرغم من التحولات الكبرى التي دخلت على المشهد الديني.
قصة سيدي الحاخام موسى بن ميمون (مايمونيد) الفيلسوف الأندلسي السفاردي والطبيب في بلاط السلطان صلاح الدين تحكي كيف استطاع المغرب أن يحميه بعد أن فرض عليه الموحدون التحول عن دينه، وكيف تمكن في مقامه بالمغرب من الإفلات من التطرف الإسلامي، حيث درس في واحدة من أقدم جامعات العالم: القرويين في فاس. اللاجئون السفارديم الذي عرفوا باسم «مغوراشيم» أو اللاجئين، عادوا إلى المغرب بعد «ريكونكويسطا»، وتركوا أثرا لا يمحى من خلال مجموعة فن القول والعيش كالشعر وأغنية الحكاتية (النسخة المغربية لفن لادينو) وبكنيس لازاما في مراكش وصلاة عطية في الصويرة وفن المطروز.
- أين يعيش السفارديم المعنيون بوعد الحكومة الإسبانية؟ وما هو الموروث الذي مازالوا يحملونه؟
** تحتفظ المكتبة السفاردية الوطنية التي توجد بمركز التاريخ اليهودي بملفات عديدة حول اليهود السفارديم الحلبيين السوريين المحتفين بذكرى قصر الحمراء، أو بذكريات الطرد خلال أعياد «هانوكا» التي يحتفون بها بإشعال شموع إضافية، أو تحتفي برجل دين ولد في تركيا وتزوج في باكستان وعاش في الهند، أو تستعيد حكاية الحاخام السفارديم الإيراني الذي عاد من إسبانيا، وبطبيعة الحال نحتفظ بموسيقى «غاستو غرناسيا» المعروف أكثر تحت الاسم الفني «إنريكو ماسياس»، لاجئ الأزمنة المعاصرة في قسنطينة بالجزائر.
هذه المجموعة التاريخية تتضمن أيضا كتبا نادرة للويس .ن. ليفي، ومجلدات مناصح بن إسرائيل، المتداخل الديانات الذي أصبح حاخاما فيما بعد، ومؤسس أول صحيفة عبرية في أمستردام، صديق الرسام الفرنسي رامبرانت، والمدافع المستميت عن الفكر الحر والتعامل الليبرالي، والذي شغل منصب ديبلوماسيا سمح له بالتأثير في مسار رد الاعتبار لليهود المطرودين من إنجلترا العام 1290 أربع قرون بعد ذلك.
- فيم تتجلى مهمات فيدرالية السفارديم الأمريكان؟
** الحدث اليوم والذي يشكل محور حملة (الوعود الإسبانية) يوجد في قلب مهمة فيدرالية السفارديم الأمريكان التي تجمع بين الحفاظ على التاريخ السفاردي وضمان استمراريته، من خلال العادات والثقافة الغنية التي مازالت تميز جماعات السفارديم كما تترجم أصوات السفارديم في التجمعات اليهودية والديبلوماسية. اليوم نشعر بسعادة بالغة ونحن نعاين مشاركة أكثر من 500 مشارك، وأيضا من خلال مشاركة هذا البرنامج مع الفيدرالية اليهودية في ولاية نيو مكسيكو الأمريكية التي قامت بعمل كبير مع المتحدرين من أصول عايشت وتمكنت من الإفلات من محاكم التفتيش الإسبانية.
في هذا السياق، نود أن نوجه شكرا خاصا للنائبة تيريزا ليدجر فرنانديز المسيرة بالمجمع الهسباني في ولاية نيومكسيكو، وهي تمثل الجيل الـ17 للناجين من هاته المحاكم تماما على غرار 40 بالمائة من سكان المنطقة التي تعيش فيها الآن. عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، والتي اقتفت أثر دونيا غارسيا ناسي، دافعت بشراسة لرد الاعتبار لليهود السفارديم بما فيهم أولئك الذين أجبروا على تغيير دياناتهم خلال حملات التفتيش الإسبانية الشهيرة.
اليوم، ونحن نحتفي بالذكرى الـ529 لظهير قصر الحمراء، سيكون من الأسهل علينا أن نتناسى الطبيعة البيروقراطية البئيسة لمحاكم التفتيش الإسبانية. البؤس تجسد في التفاصيل، والتمييز والإبلاغ عن الأشخاص الذين قتلوا. هناك الكثير من الوثائق التي توثق لأشكال التعذيب المستمر الذي مارسه الإسبان على الناجين من محاكم التفتيش، أولئك الذين عذبوا وقتلوا بالصور الأكثر وحشية في التاريخ، والتي تأتي في مقدمتها عمليات حرق الضحايا في الساحات العمومية.
- ماذا يمثل لكم قانون عودة المتحدرين من أصول يهودية الذين طردوا من إسبانيا؟
** المصادقة على قانون العودة أمر طيب ومحمود بعد سنوات من محاولات طمس الهوية والروح اليهوديتين. والرد على القانون كان على نفس المستوى، لأن مسؤولية الدولة الإسبانية في البحث عن رد الاعتبار أخذت على محمل الجد أخيرا. في 30 نونبر 2015، التاريخ الذي يوثق لهجرة اللاجئين اليهود من العراق وسوريا واليمن والجزائر ودول أخرى في الشرق الأوسط في القرن الماضي، سيدعو الملك الإسباني فيلبي السادس اليهود السفارديم وأحفادهم إلى خطاب يتذكر فيه ما حدث، حيث قال «أعزائي السفارديم.. أشكركم على وفائكم». وأضاف «أشكركم على حفاظكم على الكنز التاريخي المتمثل في اللغة والعادات وهي لغتنا وعاداتنا أيضا. أشكركم أيضا لأنكم غلبتم الحب على الحقد، وتعليمكم لأبنائكم حب هذا البلد».
كلمات ملك إسبانيا ذاعت في أنحاء المعمور خلال الخمس سنوات الماضية. أزيد من 55 ألف شخص استجابوا لدعوة الملك الإسباني وتجشموا عناء الإكراهات التي كانت تنتظرهم، وتأتي في مقدمتها الإكراهات المادية التي كان عليهم تأديتها لملء الاستمارات والاستجابة للشروط المضبوطة للترشح. الآن، وبعد الاستقبال والوعود الملكية، أغلق الباب مجددا. الحزب العمالي الاشتراكي الذي يقود الحكومة الإسبانية أقدم على إلغاء القانون الخاص بالمواطنة السفاردية.
- هل لكم أن تشرحوا للقارئ كيف تنكر الحزب الحاكم في إسبانيا وحلفاؤه الشعبويون لقرار العودة ورد الاعتبار؟
** أحفاد الناجين من محاكم التفتيش تم رفضهم جملة وتفصيلا، والتأشرات التي سلمت لآلاف منهم تم إلغاؤها، ومن المنتظر أن لا يتلقى الباقون أي جواب على طلبات التأشيرة، ومئات الأشخاص أدوا البيعة لملك إسبانيا فقدوا جنسيتهم. إنها مسألة حياة أو موت للاجئين الفينزويليين السفارديم الذين كانوا مهددين بالطرد أصلا.
نتابع عن كثب هذه التحولات، ونواكب المرشحين للعودة من مختلف بقاع العالم، وأيضا المقيمين داخل إسبانيا نفسها. الأمر يتعلق بقانون تمت المصادقة عليه بالإجماع في مجلس الشيوخ الإسباني، واليوم تم تدميره. هذا يولد لدينا شعورا كبيرا بالخذلان والإحباط. إلغاء القانون يضع موضع شك مؤسسة الـ«نوتاريو» أي القاضي الإسباني في منظومة العدالة الإسبانية، كما يطرح أكثر من علامة استفهام حول تفشي معاداة السامية في الحزب الحاكم في إسبانيا، وشريكه حزب بوديموس، الموالون للحركة المعادية للسامية الإسبانية المعروفة اختصارا بـ«بي دي اس» والنظام الإيراني وأنظمة دولتي كوبا والجزائر.