أنور مالك: الجزائر سمحت للمشروع الإيراني بالنمو في المنطقة المغاربية عن طريق "البوليساريو" (الجزء 3)

حكيمة أحاجو / تصوير ليلى لكريم الاثنين 22 ديسمبر 2025
حفل أنور مالك
حفل أنور مالك

يرى أنور مالك، الضابط الجزائري السابق، ورئيس المرصد الدولي لتوثيق وملاحقة جرائم إيران، أن الجزائر فشلت حتى في سياسة الكراهية التي نهجتها تجاه المغرب، مؤكدا أن المغرب وملوكه، وعلى مدار سنوات، كانت أياديهم ممدودة للجزائر، في الوقت الذي كانت فيه يد الأخيرة مغلولة.

وأوضح في حواره مع موقع "أحداث أنفو"، أن النظام الجزائري على يقين بأنه لا يمكن أن تكون دولة سادسة في المنطقة المغاربية، وأن ذلك صار في عداد المستحيلات، لأن النظام الدولي لا يقبل التغيير في الخرائط الجيوسياسية والجيواستراتيجية والجغرافية للدول.

وأضاف أن المنتظم الدولي لن يقبل كياناً جديداً يفصل المغرب عن موريتانيا وعمقه الإفريقي. ومبرراً أن القرار الأخير لمجلس الأمن لم يفاجئه، لأن القضية انتهت بالنسبة إليه منذ زار الأقاليم الجنوبية وشاهد التنمية التي تعرفها على أرض الواقع، وكذا إجماع الصحراويين على الوحدة الترابية وتجندهم وراء ملكهم.

نص الحوار:

+ ما تعليقكم على كون غالبية قيادة "البوليساريو" من دول الجوار، خاصة قيادة الصف الثاني؟ ما الأرضية المقبولة لفتح حوار مع المغرب؟

++ أنا أرى حتى وإن تكلم المغرب بصيغة دبلوماسية على أساس أنه مستعد للحوار - سواء مع "البوليساريو" أو مع الجزائر - رغم أن القرار الأممي الأخير وقرار مجلس الأمن أكد من هم الأطراف، وإن كانت قناعتي أن موريتانيا ليست طرفاً وعلاقتها بالملف لا تتجاوز حكم الجوار الجغرافي، ولكن في الحقيقة الطرف الأساسي في هذا النزاع المفتعل هو نظام العسكر في الجزائر. فالقضية بين الجزائر والمغرب، رغم أنها قضية مغربية بامتياز وعلى المستوى الداخلي حلت.

لكن أنا أقول لك أمراً: قضية الحوار مع الجزائر لن تتم؛ لأن النظام الجزائري لن يترك أي مشروع سلمي أو حل سياسي ينجح إلا بالعصا الغليظة إذا جاءت من القوى الكبرى. ولهذا فهو يراوغ وسيحاول ربح الوقت. وحسب مصادري، النظام الجزائري يقول: لنشغلهم بالحوار إلى أن تنتهي عهدة دونالد ترامب؛ لأنهم يعتقدون أن التطورات التي عرفتها قضية الصحراء تتعلق بإدارة ترامب، وهذا خطأ؛ بدليل أن اعتراف إسبانيا بمغربية الصحراء اعتراف الدولة، وكذا اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء اعتراف الدولة الفرنسية، واعتراف أمريكا - وليس تغريدة ترامب بل اعتراف الدولة - وكذا بريطانيا وكل القوى الكبرى كالصين وروسيا؛ ستعترف بمغربية الصحراء، لأنه لا يوجد حل.

وفي كتابي "البوليساريو وإيران: أسرار الإرهاب من طهران إلى تندوف"، ذكرت لقاء جمعني بجنرال جزائري؛ سألته عن عدد هؤلاء الموجودين في المخيمات، قال لي إن عدد الصحراويين الحقيقيين لم يتجاوز 18 ألف شخص، لكن هناك أجانب: هناك جزائريون من الصحراء دخلوا إلى تندوف وبقوا هناك، وهناك عبيد تم شراؤهم من الدول الإفريقية - خاصة سكان الجنوب في الجزائر، الأثرياء عندهم العبيد؛ أنا زرت عائلات ووجدت عندهم شباباً اشتروهم كعبيد - وهناك أجانب من جنسيات مختلفة. لذلك، حتى الصحراويين الحقيقيين، عددهم تقلص إلى أبعد الحدود؛ لأن هناك من خرج ولم يعد رغم التضييق الأمني. وحسب تصريح شخص من ساكنة المخيمات، فقد قال لي: لما تكون عائلة تريد السفر، إذا سافرت الأم وعندها أربعة أولاد تأخذ معها ولدين ويبقى ولدان مع الأب؛ وإذا سافر الأب والأم، يمنعون أولادهم من السفر ولا يتركون العائلة تسافر مجتمعة. وقال لي بالحرف الواحد: أي عائلة لو تسافر ستذهب إلى المغرب.

ومن خلال ما يصلني من رسائل كثيرة من المخيمات - خاصة بالنسبة للنساء - أجزم لك: باستثناء قيادات "البوليساريو" من الصف الأول المنتفعين ولديهم الريع والأموال، لكن نساء الأخريات من الصحراويات المغربيات، أنا أجزم لك بأن 100% لو تتاح لهن الفرصة ما بقين هناك ليوم واحد. ولذلك، من خلال منبركم الكريم، أنا أقول إن هؤلاء لا تتوفر فيهم شروط اللجوء؛ لأنه لا توجد مخاطر عليهم في أراضيهم وفي المدن التي ينحدرون منها أولاً، ثانياً أن المساعدات التي تقدم لهم تنهب وتسرق وبطرق غير شرعية. الأمر الآخر أن هؤلاء ممسوكين هناك كرهائن ولا يسمح لهم بالمغادرة. لذلك، التقرير الوحيد الذي أراه هو في المخيمات: من يريد أن يبقى أو يغادر، هذا الذي يجب أن تقوم به الأمم المتحدة. أما الأمور الأخرى لتقرير المصير والحكاية الأخرى، أنا وجدت الصحراويين قرروا مصيرهم كمغاربة منذ المسيرة الخضراء.

+ أليس هناك حكماء في النظام الجزائري، أو دولة عميقة على غرار ما تحدثت عنه سابقاً بالدولة العميقة في تونس؟

++ الجزائر فيها العسكر. مشكلة النظام الجزائري أنه في مراحل معينة كانت فيه شخصيات سياسية يمكن أن تصنع الحدث ومهيمنة على العسكر، لكن الآن مشكلة تبون أنه ضعيف أمام العسكر، وتبون أصلاً عنده عقدة العسكر من أيام زمان. لكن مثلاً بوتفليقة ما كانت عنده عقدة العسكر واستطاع أن يتخلص من جنرالات كبار؛ قبل ذلك زروال كان قائداً عسكرياً وجنرالاً؛ بومدين هو رأس الحربة في كل المشاكل التي نعاني منها اليوم.

وأنا أعتقد بأن الحل هو إحداث تغيير، وأعتقد بأن النظام الجزائري في حد ذاته وصل إلى مرحلة يريد فيها التغيير؛ لأنه خلاص أفلس بمعنى الكلمة، ولذلك نرى جنرالات يُساقون إلى السجون ويهربون، مما يوحي بأن النظام غير مستقر. وأنا أعتقد إذا حدث تغيير وتم بناء مؤسسات حقيقية، صدقيني أن الحوار يأتي بسرعة وبدون أي مشكلة؛ وأي واحد وصل إلى صناعة القرار، أول قرار سيتخذه لما يدخل مكتبه أنه سينهي قضية الصحراء وسيفتح الحدود ويرفع هذا الغبن على الجزائريين. أنا زرت الحدود ورأيت آلاف الجزائريين يعانون الأمرين لبعدهم عن أولادهم وعائلاتهم لمسافة قصيرة، بحيث يلفون العالم لزيارة أهلهم؛ وأعتقد أن هذا كارثة، لأن حل هذه المشاكل كلها مرتبط بإحداث تغيير في الجزائر.

وأعتقد بأنه في هذه المرحلة تحديداً، فرحيل شنقريحة وتبون أمر ضروري. بعد ذلك، تظهر وجوه أخرى عندها خطاب غير عدائي؛ لأن عداؤنا للمغرب جلب لنا كل البلاوي، والآن الجزائر معزولة دبلوماسياً وإقليمياً وأمنياً، ولا أحد يثق في نظام يكيد لجيرانه.

+ كيف ترى دور المعارضة الجزائرية في الفضاء السياسي حالياً؟

++ للأسف الشديد، كخبير ومتابع ومحلل لهذه الأمور، بقدر ما النظام أفلس، حتى معارضتنا مفلسة بالمعنى الكبير. كان الحراك الشعبي يضم ملايين الجزائريين في الشوارع، وكنت أنا ذاك أدعوهم إلى ضرورة التكتل في إطار عمل سياسي معين يقنع الجزائريين. وللأسف، رفضوا؛ كل واحد عايش في الفيسبوك وتويتر واليوتيوب، يعتقد نفسه أنه إذا تابعوه مليون بشر فهو عنده مليون مواطن شعبي، وهذا وهم كبير.

إذا لم تتجل المعارضة في إطار عمل مؤسساتي، في إطار مبادرة، حتى هم يحاولون أن يعيدوا الجزائريين إلى الشوارع ولم يفلحوا؛ لأن الجزائري صدم، لأنه قضى أشهراً في الشارع وأسقط بوتفليقة وأتى تبون، وصار يلعن الحراك لأنه بدأ يقارن كيف انتقلنا من عصابة بوتفليقة إلى عصابة سعيد شنقريحة وتبون. فهي كارثة. لا أعتقد بأن المعارضة، إذا أرادت أن تحدث تغييراً في هذه المرحلة التي يعاني فيها النظام من الضعف، بأن تنخرط في مبادرة جماعية في إطار خطة عمل تقنع الشارع الجزائري وتجعله يتحرك لتحرير الجزائر من هذه العصابة التي تمارس الفساد والاستبداد وحتى الإرهاب أيضاً.

+ ما موقفك من المقترحات الدولية لحل الأزمة بين المغرب والجزائر؟

++ أنا أعتقد بأنه كانت هناك تحركات سعودية وإماراتية ومصرية وأوروبية أيضاً، وسبب هذه التحركات في ذلك الوقت - على حسب ما صرح لي به بعض المسؤولين الخليجيين الذين التقيتهم وأخبروني - أن تقارير وصلتهم بأنه من الممكن أن تغامر الجزائر بحرب متهورة وعدوان على الأشقاء المغاربة. لكن للأسف، كلهم وصدموا أنهم لم يجدوا مع من يتحدثون؛ لا تبون يملك القرار، ولا شنقريحة الذي يقول: "أنا قائد الجيش فقط، لا أملك القرار". والدبلوماسيون يعيشون تخبطاً بسبب تدخل الجنرالات في العمل الدبلوماسي.

وأخبرني أحد الدبلوماسيين أنه عندما يدخل إلى مكتبه، يتصل به الجنرال الفلاني ليعطيه أمراً، وبعد ساعتين يتصل به جنرال آخر ليلغي أمر الجنرال الأول. فلذلك، هذا الاضطراب أثر سلباً على صورة الدبلوماسية الجزائرية، التي فقدت تأثيرها لأنها أصبحت مختصة في العداء للمغرب و"البوليساريو". وأصبحت وزارة الخارجية الجزائرية متخصصة في حماية عناصر "البوليساريو"، بدل أن تهتم بأمور الجزائريين والجاليات الجزائرية في الخارج.

وبهذه المناسبة، ومنذ فترة كنت التقيت واحداً من أنصار "البوليساريو" في مقهى بإحدى الدول الأوروبية، بعدما خرج من القنصلية وبيده 4 آلاف يورو. فقلت له: أين لك بهذا المبلغ؟ قال لي إن مصاريف عناصر "البوليساريو" الموجودين في أوروبا على حساب الدولة الجزائرية، في حين عندنا مهاجرون جزائريون ينامون تحت الجسور بدون جوازات سفر، على عكس عناصر "البوليساريو".

لذلك، أقول لك إن هؤلاء الذين بادروا بمحاولة الوساطة صدموا أن الجزائر لم تقدم أدلة ضد المغرب، وأن لا أحد يملك القرار بالجزائر، وأن رجال النظام يتخبطون؛ يعطونك اليوم كلاماً وغداً يقولون شيئاً آخر. وهذا الذي صنع هذه الفوضى الحقيقية. ولذلك، أعتقد بأنه لا يمكن أن تنجح أي وساطة في ظل أن الجزائريين لا يعرفون من بيده القرار، ويتساءلون حول من يصنع القرار في الجزائر. حتى العسكر كلهم يتهربون في الوقت الذي يتحكمون كلهم في تسيير البلد، على عكس المغرب مثلاً، حيث تجد سياسيين ووزراء وتيارات مختلفة، لكن تجد أيضاً خيمة كبيرة يستظل تحتها كل المغاربة اسمها خيمة الملك.

عندما تذهب إلى المغرب - سواء للاستثمار أو للمبادرات السياسية أو الدبلوماسية أو الفكرية أو الثقافية - تجد أن هناك شخصاً واحداً يصنع القرار، اسمه الملك محمد السادس. أما في الجزائر، من يصنع القرار؟ أنا أعرف رجال أعمال ذهبوا إلى الجزائر ورجعوا بخفي حنين؛ لأن هذا الجنرال يريد نسبة، وجنرال آخر يريد نسبة، وأبواب الرئيس مغلقة في وجوههم. لذلك، أعتقد بأن كل المبادرات صدمت بواقع مؤسف بمعنى الكلمة.

+ كيف تتابع تأثير الأوضاع في الجزائر على الجاليات الجزائرية في الخارج؟ وما رسالتك لها؟

++ أنا أعتقد بأن أهم رسالة توجه لهؤلاء - خاصة أنهم في مجال الحرية - أنهم يساعدوا الشعب الجزائري لكي يتحرر؛ لأن هناك في الجزائر عمل استخباراتي، دولة استخباراتية؛ الناس في السجون، وأي واحد يكتب منشوراً يقول فيه إنه غير راضٍ عن بائع الحلوى في الشارع الفلاني يجد نفسه متهماً بالإرهاب والعمالة للمخزن المغربي. تخيلي! فشعب الجزائر في اضطهاد كبير، دولة استخباراتية تعيش أسوأ مرحلة أو مرحلة الاستبداد الغبي؛ فقد عشنا مراحل استبداد لكن بذكاء، لكن الآن حتى الذكاء الاصطناعي لا يتوفرون عليه.

وأطالب أبناء الجالية ممن يتوفر على إمكانيات أن يقفوا مع هذا الشعب حتى يتحرر من هذا الاستبداد. كما أن المشاريع والبيوت في الجزائر كلها ستضيع مع هذا الانهيار الاقتصادي وانهيار العملة وانهيار قيمة الدولة الجزائرية، للأسف شيء.

+ ماذا تقول لمن يتهمون المعارضين بالخيانة أو خدمة أجندات خارجية؟ هل هناك انتهاكات محددة لحقوق الإنسان تود تسليط الضوء عليها؟

++ أولاً، هذه إشكالية كبيرة نعاني منها في الجزائر، وهذا دليل على عسكرة العقل الجزائري. وبمجرد ما تنتقد، يبحثون في انتقاداتك ليروا على أي مقاس سيضعونك. فعندما تنتقد "البوليساريو"، يقولون إنك تعمل للمخزن. لا يا أخي، لا نعمل للمخزن ولا لأي شيء. أنا أرى في دعم "البوليساريو" نزيف الاقتصاد الجزائري، وأننا ظلمنا المغاربة؛ وبدل أن نستفيد من العلاقات ونعمل قوة اقتصادية مشتركة ونمضي إلى الأمام ونؤثر على شمال البحر الأبيض المتوسط، تساند أنت أربع خيم ومطبخاً وتقول عنها "دولة"؛ فهذا كلام فاضي.

وعودة إلى الاتهامات السخيفة للنظام الجزائري، فالغريب أن بعضهم يتحدث في وسائل الإعلام ويقول: نحن نختلف مع النظام داخلياً، ولكننا معه خارجياً؛ بمعنى أن نظامه فاسد في الداخل ونمنحه أوسمة الشرف في الخارج. وهذا لا يجوز؛ لأن هذا النظام يعيش بالدعم الخارجي باستعمال ثروات الجزائريين من أجل الدعم الخارجي.

الأمر الآخر: هذا النظام فشل خارجياً في سياسته، ومن يفشل في داره لا يمكن أن تكون له قيمة عند جاره أو جار جاره.

هذه هي الإشكالية الكبيرة، لذلك أنا أعتقد أن كل المحاولات البائسة للنظام الجزائري فشلت؛ فقد تعرضت للتوقيف في تركيا ومحاولة التحويل، لأنه كان هناك أربعة ضباط ينتظرونني بطائرة خاصة ليأخذوني إلى الجزائر، والحمد لله نجوت بأعجوبة كبيرة. وهناك الإعلامي هشام عبود الذي خطفوه في برشلونة، وهناك من خطفوه في فرنسا، وهناك مخططات الاختطاف في بلجيكا، وأنا أتعرض للاعتداء في بلجيكا؛ وهذه سياسة عبثية.

ولو كانت الجزائر البلد حقيقة تريد أن تتطور لفعلت؛ بدليل أن أثيوبيا، عندما فتحت المجال للمعارضين، تطورت وأصبحت دولة تناطح مصر على سد النهضة، وأثبتت وجودها في القارة الإفريقية بعدما كنا نقول عن الشخص الضعيف كأنه قادم من أثيوبيا.

الآن، عندما نتكلم عن الجزائر، ما ضرهم في ما يقوله المعارضون؟ ولأنه نظام ضعيف يخاف من الكلمة، فهو يخاف من صفحة فيسبوك وهو عنده إمبراطورية عالمية.

أنا أعتقد أن هذه الاتهامات سخيفة، وأنا شخصياً لا أهتم حتى ولو قالوا إني عميل للجن الأزرق في مملكة كنفوشيا الشمالية؛ فهذا الكلام لا يهمني. بل يهمني شيء واحد: أن النظام الجزائري مفلس وفاشل خارجياً وداخلياً، وبسببه صنعنا عداءات مع دول إفريقية، مع الجيران المغاربة، مع التونسيين الذي تآمر عليهم وأجهض ثورتهم، ومع الجميع.

وأعتقد أن هذه العقلية التي تدعي أننا نحن الجزائريين أخير وأفضل من باقي الشعوب - والتي يسميها بوتفليقة "عقلية الزلط والتفرعين" - لا تبني دولة؛ لأن الدول تبنى بالعلم والعمل والتعاون مع الجميع. فعندما نكون جيراناً، يفترض أن تحمي بيتي وأحمي بيتك، لنكون قوة استراتيجية وليس العكس. وأختم بالقول إن: مشكلة النظام الجزائري أراد السوء بالمغرب فكشف الله سوأته؛ هذه هي المشكلة التي نحن عليها.

+ أنت أب لأربع بنات، ألا تخاف عليهن بالنظر للتهديدات التي يتعرض لها المعارضون الجزائريون في بعض البلدان الأوروبية؟

++ طبعاً، أنا عندي أربع بنات ربي يحفظهن، وهن قرة عيني، وأنا أحب خلفة البنات كثيراً، وهن مؤنساتي في المنفى. وأشعر بالأسف لأنهن محرومات من زيارة بلدهن، ولسنوات طويلة لم يلتقين بجدهن وجدتهن، ومثلهن كثير. ولهذا أنا أخاف عليهن وعلى كل البنات؛ فأنا دائماً لدي النزعة المغاربية، وأتمنى أن كل الأولاد والبنات يكون لهم مستقبل؛ لأن جيلي في طريقه للانقراض.

وطبعاً أخاف على بناتي وبنات الجزائريين جميعاً، وبنات المغاربة والتونسيين؛ ومنطقتنا المغاربية تحتاجنا جميعاً. وعندما أرى بناتي وهن يبنين مستقبلهن في فرنسا، أقول: يا ليتني لو بناتي كبرن في الجزائر وتربين على تقاليد وعادات الجزائر، وأن يعشن كجزائريات وليس في بلد آخر حتى لو كن يحملن الجنسية الفرنسية؛ فهن يُعاملن بأصولهن.

ولهذا أقول دائماً: إذا أردت ألا تلعنك الأجيال القادمة حتى أولادك وأحفادك، فاترك شيئاً للتاريخ وسجل مواقف تاريخية تشفع لك مستقبلاً. أما إذا كنت تساند نظاماً يفرق العائلات، صدقوني ستأتي أجيال ستلعنهم إلى يوم الدين. ولهذا أنا أعارضه وأقوم بفضحه من أجل بناتي؛ لأنه ستأتي أجيال أخرى تفكر نفس التفكير في الوحدة والقوة، وستظل بناتي فخورات بوالدهن، ولهذا أنا حريص على الكلمة الطيبة.

أنا كنت في بعثة المراقبين الدوليين في سوريا، وأعلنت استقالتي في الفندق، وهاجمني إعلام النظام الأسد على مدار 14 سنة، وأنا مصر على نصرة السوريين ضد مظالم الأسد، ونقول لهم "يجي نهار بناتي سيفتخرن أنني رفضت قتل بنات السوريين". والحمد لله جاء النصر، والآن منهن من هتفن باسمي وهن يحملن صوري، وصرن صبايا وإعلاميات ومثقفات، ومازلن يشدن بهذا الموقف التاريخي.

وعلى الآباء ألا يتركوا أولادهم يبحثون عن أشياء ليبرروا بها مواقف آبائهم، ولهذا أقول: دعني أنا أخلق لهن الموقف وأبرره لهن، حتى إذا حدث يوم ما موقف معين لا يقلن "بابا ارتكب خطأ".

+ حدثنا عن نفسك قليلاً، وكيف كانت البداية؟

++ أنا ولدت في الريف في قرية اسمها قصر العطش في مدينة اسمها الشريعة. والدي فلاح ومتحدث جيد ومثقف، وكان يضرب به المثل في حل النزاعات. وفي صغري، كنت لما أرى أبي يتحدث والناس تسمعه كنت أتمنى أن أكبر لأصبح متحدثاً مثل أبي؛ كانت أمنيتي أن أتحدث مع مجموعة، وما تصورت أني سأتحدث إلى الملايين من الناس.

ففي هذه البيئة نشأت على الأنفة وعلى الكرامة وعلى أن تنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، لا أن تظلم الآخرين. ولهذا كان الآباء يرسلون أولادهم للبوادي من أجل أن يتربوا على قيم البادية المعروفة بالمحافظة.

ويوم زرت نيويورك، تذكرت أيام زمان عندما كان صديقي يحضر لي مجلة فيها أضواء نيويورك، وكنت أقول له: عندما أكبر سأزور نيويورك. ولهذا عندما سألتني صحفية أمريكية وأنا أمشي بشوارع نيويورك: بماذا تشعر؟ وبماذا ذكرتك نيويورك؟ قلت لها: ذكرتني بالبادية التي نشأت فيها. تخيلي: نيويورك العظمى تذكرني بقريتي التي لا تتوفر على الكهرباء.

وعلى ذكر الاشتياق، كلما اشتقت للجزائر أزور المغرب، وأتكلم مع المغاربة وأتمشى في الشارع مع المغاربة، وأشعر وكأني في شوارع الجزائر خاصة وأن تقاليدنا تقريباً نفسها.

ومنذ أيام كنت مع منصف المرزوقي نجوب شوارع الرباط، وقال لي: أريد أن أتنفس هواءً نقياً؛ عندما أرجع إلى فرنسا أعيش على أطلال ذلك الهواء الذي نشأ فيه كطفل. أنا أيضاً، عندما يغلبني الحنين إلى بلدي أزور المغرب، وأتمنى أن يأتي يوم أعود فيه لقريتي وأبني فيها منزلاً أكمل فيه بقية عمري. ولكن للأسف، ابتلانا الله بنظام ينتقم، كما فعل مع شقيقي الذي يعمل في جهاز الدرك بالجزائر، وحكم عليه بعشر سنوات سجناً ظلماً وعدواناً؛ لأن ذنبه أنه خرج من نفس الرحم الذي خرجت منه. فانتقموا منه، لكن لا يدركون أن بشار الأسد قتل ملايين السوريين والآن هو هارب والشعب السوري يحتفل في دمشق.

+ كخبير، بما تفسر عودة العلاقة بين الجزائر وإيران بعد سنوات من الجفاء والمقاطعة؟

++ والله، المشكلة في النظام الجزائري لأنه نظام مفلس، لم يربح شيئاً من وراء اختياراته. صادق بشار الأسد فسقط، ومن حظ المغرب والمغاربة أن هذا النظام يعاديهم؛ صدقوني لو كان هذا النظام حليفاً للمغاربة فالويل لهم. عمل لهم مشكلة الصحراء فتحولت إلى إلهام وطني للمغرب، ولا يوجد ما وحد المغاربة مثل قضية الصحراء؛ بعدما كانت عبارة عن نزاع على مستوى الدولة وعلى مستوى الأجهزة، فأصبحت قضية شعب؛ لأن المغاربة يختلفون في الكثير من الأمور، لكنهم لا يختلفون على أمرين: وحدتهم الترابية وملكهم، وطبعاً الدين الإسلامي وفلسطين. فالنظام الجزائري حاول أن يصور لنا المغاربة على أنهم مع إسرائيل بحكم علاقات ببعض الدول وحسابات أخرى، لكن المغرب لم يحاول يوماً أن يزرع بين المغاربة كره فلسطين أو شيء من هذا القبيل.

وبخصوص النظام الجزائري، فهو لم يربح من إيران شيئاً، ومن الغرابة أن النظام الجزائري في التسعينيات - وأنا كنت ضابطاً في الجيش الجزائري ومسؤولاً في الاتصال والإعلام، وكنت أدرس - كانت تأتينا بيانات من طرف القيادة العليا نقرأها للجنود والضباط حول تورط إيران في دعم الإرهاب. وفي ذلك الوقت كانوا يبرؤون المغرب على فكرة رغم كرههم للمغرب، وكانوا يقولون أن المغرب أغلق الأبواب ولم يعطِ فرصة للجماعات الإرهابية؛ رغم أن المغرب لو كان عنده طابع عدائي فهذه فرصة في بلاد تعيش حرب أهلية سيدعم الإرهاب لكي تنتهي حكاية "البوليساريو". ورغم ذلك، المغرب يفكر بعمق استراتيجي، والمغرب لا يدعم الحركة الانفصالية لأنه يدرك أنه سيكتوي بها، ولا يدعم الإرهاب لأنه يرى أن الإرهاب خطر على الجميع.

أما العسكر الجزائري فعلى عكس المغرب، بحيث قطع العلاقة مع إيران وطرد السفير، وبعد ذلك عاد إلى ربط علاقات استراتيجية. والجزائر بقيت تدعم بشار الأسد؛ ثلاثة أيام قبل سقوطه اتصل به وزير الخارجية وقال له: نحن معكم ضد الإرهاب، وبعد ثلاثة أيام سقط؛ حتى المعطيات الدبلوماسية لم تكن لديهم، وقوات المعارضة وصلت إلى دمشق.

نظام الجزائر فاشل ولا يدرك ماذا يفعل؛ لأن مشكلة النظام الجزائري هي عسكرة الدولة، عداؤه لدولة المؤسسات والدولة المدنية، أنه يريد أن يستحوذ ويهيمن على الجزائريين. هذه هي مشكلة النظام الحقيقية. لذلك لم يربح شيئاً من إيران، بل تلطخ؛ والأهم أن الجزائر أصبحت في محور إيران بعدما تهالك مشروعها في المشرق، جعلته الجزائر ينمو في المنطقة المغاربية عن طريق "البوليساريو" التي أصبحت ذراعاً إيرانياً، وهو ما كشفته ووثقته في كتابي "البوليساريو وإيران".

+ في كلمة أخيرة، ما الرسالة التي توجهها لمتابعيك من المغاربة؟

++ أعتز بكم وأعتز بإخواني المغاربة وبهذا البلد الطيب شعباً ودولة وملكاً وحكومة. أقدركم وأحترمكم جميعاً، وأؤمن أن لا حل لنا إلا وحدتنا؛ لأنها مصدر قوتنا، وإلا سنضعف جميعاً أمام القوى الكبرى التي تتربص بنا وبثرواتنا وبتراثنا وتاريخنا.