شكرًا، يا صاحب الجلالة

بقلم: أحمد الشرعي الاثنين 22 ديسمبر 2025
IMG-20251222-WA0074
IMG-20251222-WA0074


هناك لحظات في حياة الأمم يفرض فيها الواجب التوقف، لا للتأمل في الذات، بل للاعتراف. الاعتراف بما أُنجز بالصبر، وبالرؤية، وبالعزم الراسخ. الاعتراف بأن وراء كل إنجاز جماعي عظيم إرادة واضحة، ويدًا ثابتة، وعقلاً مستنيرًا. وليس من قبيل المصادفة أن يتمكن المغرب من استقبال إفريقيا سنة 2025 في إطار بطولة كأس الأمم الإفريقية، في مستوى يليق بتاريخه وطموحاته. فهذا النجاح هو ثمرة رؤية واعية ومدروسة، يجدر الاعتراف بمصدر إلهامها الأول: صاحب الجلالة الملك محمد السادس.

ينتمي المغرب إلى تلك الفئة النادرة من الدول التي لا يُقاس مسارها فقط بتعاقب الأحداث، بل بعمق الرابط الذي يجمع بين الملكية والشعب والتاريخ. فهو مملكة عريقة، استطاعت عبور القرون دون أن تنفصل عن ذاتها، مستندة إلى ملكية جعلت من الاستقرار أساسًا لها.

وفي عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ترسّخت هذه الملكية كركيزة للاستقرار والتحول، في عالم يطغى عليه الشك، والقطيعة، وإعادة التشكل المستمرة.

وبالدفع الشخصي من جلالة الملك، جدد المغرب، بعمق وصدق، ارتباطه الإفريقي. لا بدافع حسابات ظرفية، ولا استجابة لموضة عابرة، بل وفاءً لهوية راسخة. فمنذ اعتلائه العرش، نسج صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بصبر وثبات، علاقات وثيقة — تكاد تكون شخصية — مع غالبية دول القارة. جاب إفريقيا، أصغى إلى قادتها، تفهّم شعوبها، وكرّس وقتًا — وهو أثمن الموارد — لبناء شراكات قائمة على الثقة، والاحترام، والتضامن.

ولم تكن هذه الرؤية الإفريقية خطابًا إنشائيًا، بل تجسدت في شراكات ملموسة، ومشاريع مهيكلة، وكلمة حرّة واثقة. ويُستحضر هنا على وجه الخصوص الخطاب التاريخي الذي ألقاه جلالة الملك في كوت ديفوار، حيث دعا الأفارقة إلى الإمساك بمصيرهم بأيديهم، والإيمان بقدراتهم، وبناء ازدهارهم بأنفسهم ولأنفسهم. وقد كشف ذلك الموقف عن عمق رؤية ملك إفريقي بالقلب والوجدان، يؤمن بأن إفريقيا ليست عبئًا ولا مشكلة ينبغي تدبيرها، بل وعدًا يجب الوفاء به.

وفي هذا الانسجام الملكي، الذي بُني بصبر وعلى مدى الزمن، يندرج تنظيم كأس الأمم الإفريقية 2025 على الأرض المغربية. فقد تجاوز هذا الحدث كونه منافسة رياضية، ليصبح لحظة تلاحم قاري. فالمغرب، أرض الضيافة والسلام، فتح أبوابه لإفريقيا بأسرها، مذكّرًا بأن الرياضة، حين تُحمل برؤية وروح، تتحول إلى لغة كونية، وإلى فعل سياسي بالمعنى الأسمى للكلمة.

وفي قلب حفل الافتتاح، برزت صورة واحدة بهدوء وقوة: صورة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن. فمن خلال وقاره الطبيعي، وهدوئه، ودقته، عكس صرامة تربية رفيعة، صاغها أبٌ مُتتبّع، وملكٌ من طراز رفيع، لا تكون فيه المسؤولية والاعتدال مفاهيم مجردة، بل قيمًا مُعاشة.

وفي حضور صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، يمكن تلمّس، في خيط رفيع، العناية المستمرة التي ما فتئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوليها لشباب المملكة.

وفي وفاءٍ لجذوره، وتجذرٍ كامل في عمقه الإفريقي، وتحت قيادة رؤية واضحة وثابتة لملك عظيم، يواصل المغرب مساره بثبات وطمأنينة وتوازن — واعيًا بتاريخه، سيدًا في قراراته، ومنخرطًا بعزم في المستقبل المشترك للقارة الإفريقية