يرى أنور مالك، الضابط الجزائري السابق، ورئيس المرصد الدولي لتوثيق وملاحقة جرائم إيران، أن الجزائر فشلت حتى في سياسة الكراهية التي نهجتها تجاه المغرب، مؤكدا أن المغرب وملوكه، وعلى مدار سنوات، كانت أياديهم ممدودة للجزائر، في الوقت الذي كانت فيه يد الأخيرة مغلولة.
وأوضح في حواره مع موقع "أحداث أنفو"، أن النظام الجزائري على يقين بأنه لا يمكن أن تكون دولة سادسة في المنطقة المغاربية، وأن ذلك صار في عداد المستحيلات، لأن النظام الدولي لا يقبل التغيير في الخرائط الجيوسياسية والجيواستراتيجية والجغرافية للدول.
وأضاف أن المنتظم الدولي لن يقبل كياناً جديداً يفصل المغرب عن موريتانيا وعمقه الإفريقي. ومبرراً أن القرار الأخير لمجلس الأمن لم يفاجئه، لأن القضية انتهت بالنسبة إليه منذ زار الأقاليم الجنوبية وشاهد التنمية التي تعرفها على أرض الواقع، وكذا إجماع الصحراويين على الوحدة الترابية وتجندهم وراء ملكهم.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
كنت من أبرز الوجوه الجزائرية التي دافعت لسنوات عن الوحدة الترابية للمملكة، كيف تلقيت قرار التصويت داخل أروقة الأمم المتحدة على خطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب؟
++ في البداية، أشكر صحيفة "الأحداث المغربية" على هذه الفرصة التي أتاحتها لنا لنتحدث مع جمهورها الكريم. شكراً لكم على الحضور، وشكراً لكل طاقم هذا المنبر الإعلامي الواعد.
حقيقةً، لم يفاجئني القرار إلى حد بعيد، من منطلق أساسي: أولاً، لا يضيع حق وراءه مطالب، هذه عقيدة. الأمر الآخر أنه عندما زرت الأقاليم الجنوبية ووقفت بنفسي على التنمية، وما سمعته من المواطنين، لم يكن ما حدث في مجلس الأمن شيئاً كبيراً؛ لأن الشيء الكبير رأيته في الداخل، عندما وجدت شبه إجماع بين سكان هذه الأقاليم على مغربية الصحراء، وعلى قيادة المملكة، وعلى وطنهم، ورايتهم، وملكهم، وعلى كل شيء. عندما وجدت هذا، صارت عندي قناعة بأن القضية انتهت.
لكن على المستوى الدبلوماسي، لنتحدث بواقعية: ما حدث شيء كبير يضاف إلى الكثير من النجاحات الدبلوماسية التي حققها المغرب؛ لأن ما حدث في مجلس الأمن لم يأتِ صدفة ولم يكن عفوياً، وإنما جاء عن طريق عمل اشتغل عليه المغرب منذ المسيرة الخضراء. بدأ بالجانب الشعبي، ثم اتجه إلى الجانب التنموي، العسكري، الأمني، الاقتصادي، والدبلوماسي؛ وطبعاً كانت نتيجتها تحقيق هذا القرار الذي يضاف إلى سجل الانتصارات الدبلوماسية التي حققتها المملكة المغربية.
+ بعد القرار الأممي، وفي خطاب بالمناسبة، وجه جلالة الملك دعوة من جديد للجزائر للحوار، وهو الأمر الذي رفضته. ما تفسيركم للعداء الذي يكنه النظام الحاكم في الجزائر للمغرب؟
++ أولاً وقبل كل شيء، لم أتفاجأ باليد الممدودة للمملكة المغربية؛ فدائماً يد المغرب ممدودة إلى الجزائر. فعند الثورة، كانت يد المغرب بيضاء مع الثورة الجزائرية، وليس كما يُقال إن المغرب دعم الثورة الجزائرية؛ لا، المغرب كان رأس الحربة في الثورة الجزائرية.
ورغم ما حدث في بعض المحطات بين الأشقاء، إلا أن يد المغرب دائماً ممدودة حقيقةً. لكن للأسف، خاصة منذ منتصف السبعينيات، منذ أن اندلعت هذه القضية وهذا النزاع المفتعل والمصطنع والمبتدع والمخترع، دائماً الطرف المغربي يده ممدودة، لكن الطرف الجزائري - طبعاً النظام وليس الشعب الجزائري - يده مغلولة، وفشل في مسعاه. وفي هذا اليوم تحديداً، رأيت في كأس العرب صوراً تثلج الصدر بين الجزائريين والمغاربة، معناها أن سياسة الكراهية تجاه المغاربة التي انتهجها النظام لم تفلح في شيء.
على الرغم من أن النظام العسكري وعقيدته أنه يكره المغاربة، وابتدأ هذا منذ ما يُسمى مجموعة وجدة، واستمرت هذه الكراهية إلى يومنا هذا، إلا أن الطرف المغربي - حقيقة دولةً وشعباً - لا يحمل هذه الكراهية، ودائماً يده ممدودة. لذلك، أتوقع أن من يمد لك يده وأنت تطعنه في وحدته الترابية، ولم تكتفِ بالصحراء بل لجأت حتى إلى استهداف الريف المغربي، ماذا تنتظر منه؟
لذلك، الملك، ومن خلال يده الممدودة، يدرك يقيناً أنه يمد اليد للجزائريين شعباً ودولة، وللأسف النظام لم يكن في مستوى هذه اليد الممدودة؛ لأن الخلافات من المفروض أن تعالج في جو من الحوار الواقعي والعقلاني. وأعتقد أن الحوار الواقعي والعقلاني كان يأتي دائماً بطلب من الطرف المغربي، في حين أن الجزائر - وللأسف الشديد - ركام من الكراهية والحقد جعلها تكره حتى الجزائريين فضلاً عن المغاربة.
+ هل للأمر علاقة بتصدير الخلاف الداخلي، مادام النظام العسكري الجزائري يعيق قيام دولة مدنية؟
++ ما يحدث دليل على أن النظام الجزائري دائماً يصدر أزماته إلى الخارج. النظام الجزائري يعيش أزمة داخلية عميقة، معزول داخلياً، ويريد أن يعيش الجزائريين - منذ انقلاب بومدين على بن بلة، بل منذ بن بلة نفسه - داخل بعبع خارجي. وحتى في حرب الرمال، التي حدثت بين الأشقاء، كانت الجزائر قد صدرت فيها أزمة داخلية تتمثل في تمرد آيت أحمد في منطقة القبائل؛ وكانت حرب الرمال الوسيلة التي استعملت من أجل إنهاء تمرد منطقة القبائل بقيادة آيت أحمد، زعيم ثوري معروف.
فمنذ ذلك الحين، النظام الجزائري دائماً يريد أن يعيش الجزائريون تحت ضغط البعبع الخارجي المتمثل في المغرب والصهاينة، وأن الجزائر مستهدفة من الخارج، وأن المغاربة يغارون من الجزائر. وعاش الجزائريون وسط هذه الأوهام، فقط من أجل أن يبقى النظام في أزماته مع المغرب. وحتى في نزاع الصحراء، هدف النظام تصدير أزماته الداخلية وتعليقها في مشجب الجيران والأشقاء والدول الأخرى المختلفة.
+ على الرغم من تورط الجزائر في قضية الصحراء، فهي تدعي أنها مستعدة للوساطة. ما هي الأدلة التي تثبت تورط النظام الجزائري في دعم "البوليساريو" والاتجار بالبشر في تندوف؟
++ النظام الجزائري في هذه المرحلة ليس من صالحه الوساطة مع المغرب؛ لأنه يريد دائماً أن يستعمل بعبع المغرب في الحرب على الشعب وفي مواجهة أزمة الشرعية التي يعانيها في الداخل. ولذلك، في مرحلة معينة، بحث حتى عن وسيط مؤتمن. ما دوره الوسيط المؤتمن؟ النظام الجزائري اتهم المغرب بكل الشرور: حرق الغابات، دعم حركة انفصالية، دعم الإرهاب، الاعتداء على الأرض. كل ما خطر على ذهن النظام الجزائري من تهم يمكن أن توجه إلى طرف آخر، قالها في المغرب.
لكن الذي أعلمه - وعلمته من مصادر في بعض الدول - أنها لجأت وتحركت من أجل احتواء هذه الأزمة، لما تم إعلان قطع العلاقات من جانب واحد (لأن الأزمة من جانب واحد). فطلبت عدد من الدول من الجزائر: ما هي أدلتكم؟ أعطونا الأدلة التي تثبت أن المغرب قام بكل هذه الأعمال العدائية حتى نتكلم مع الطرف المغربي. وتأكد لممثلي الدول الوسيطة أن الجزائريين لا يملكون شيئاً. وأجزم لكم: لو كانوا يملكون أدنى شيء يدين المغرب، لعرضوه في التلفزيونات.
إلى يومنا هذا، مرت هذه المدة كلها منذ قطع العلاقات، ولم يقدموا في أي تلفزيون ولا حتى في أي لقاء رسمي ما يثبت هذه الادعاءات. لذلك، النظام يريد - إذا تمت عليه ضغوطات - الإصلاح، إصلاح العلاقة في جوانب معينة. وهدفه أولاً ألا تنكشف أكاذيبه فيما يخص الاتهامات التي وجهها للمغرب، وأمر آخر يريد أن يستمر نزاع الصحراء.
النظام الجزائري - وأنا كلمت مسؤولين وألتقيتهم - يقولون بأنه لا يمكن أن تكون دولة في المنطقة المغاربية دولة سادسة، مستحيل، صارت في عداد المستحيلات. النظام الدولي لا يقبل تغييراً في الخرائط الجيوسياسية والجيواستراتيجية والجغرافية للدول؛ غير مقبول، ولا يمكن للنظام الدولي أن يقبل كياناً جديداً يفصل المغرب عن موريتانيا وعمقه الإفريقي.
صارت من عداد المستحيلات، لكن ماذا يريدون؟ يريدون الإبقاء على هذه القضية لتحقيق عدة أهداف. أولاً، لأنها تشكل نزيفاً اقتصادياً وأزمة دائماً مستمرة للمغرب؛ لأن المغرب، في حال تم تسوية هذه الوضعية، سيتجه إلى أمور أخرى تنموية وسيذهب بعيداً؛ لأنه دولة عندها استراتيجية تنموية، والنظام الجزائري لا يملك ولا يمكنه أن ينافس المغرب رغم الثروات التي يتوفر عليها.
الأمر الآخر، وهو الخطير، أنه في حالة حل نزاع الصحراء، ستنكشف الكثير من الملفات: ملفات أمنية، ملفات تتعلق بالعلاقة مع الإرهاب، ملفات تتعلق بإيران، ملفات الفساد. وأنا أقول لك - وهذا مؤكد من مصادر موثوقة - أن الجزائر صرفت من أجل "البوليساريو" ما لا يقل عن 500 مليار دولار كحد أدنى.
وهذا المبلغ كان سيعد بناء دولة من جديد، ولكن للأسف ضيعوه من أجل لا شيء. أنا أقول لك إن النظام الجزائري يريد أن يستعمل شماعة المغرب ليعلق عليها فشله الداخلي ويتهرب من الوساطات. وحتى تبون في بداية حكمه كان يقول: إذا كان المغرب عنده مشكلة معنا، فليأتِ لنجلس على طاولة المفاوضات. بعد ذلك، منعه العسكر من أن يردد هذا الكلام، وهو لا يملك القرار؛ لأن قرار العلاقات المغربية-الجزائرية في يد العسكر، وليس في يد السياسيين ولا الدبلوماسيين.