عرفت جلسات المرافعة في القضية المعروفة إعلاميا بـ“ملف إسكوبار الصحراء” التي يتابع فيها كل من سعيد الناصيري وعبد النبي البابوي الى جانب متهمين آخرين تحوّلا لافتا، بعدما اختار دفاع الموثقة مقاربة مختلفة، تقوم على تفكيك عناصر المتابعة وربطها بضوابط التجريم الجنائي، بدل الاكتفاء بمناقشة الوقائع في ظاهرها.
هيئة الدفاع اعتبرت أن طول أمد المسطرة القضائية لم يكن بلا جدوى، بل كشف تدريجيا عن هشاشة الأساس الذي بنيت عليه تهمة التزوير في محرر رسمي، خاصة في ظل غياب ما يثبت قيام أركان الجريمة، سواء من حيث الفعل المادي أو القصد الجنائي أو تحقق الضرر.
وأوضح الدفاع أن نقطة الانطلاق في المتابعة تعود إلى عقدي بيع محررين سنة 2014، جرى تقديمهما باعتبارهما منطلق الشبهة. غير أن هذه الفرضية، حسب الدفاع، قامت على معطيات غير دقيقة، خصوصاً ما تعلق بمكان تواجد أحد أطراف العقد، عبد الصمد العاشوري، في التاريخ المفترض لإبرام البيع.
وفي هذا السياق، انتقد الدفاع ما اعتبره قصوراً في البحث، مؤكداً أن النيابة العامة لم تتحقق بشكل علمي ودقيق من المعطيات المرتبطة بتواجد المعني بالأمر، الأمر الذي دفع الدفاع إلى تقديم إشهاد يثبت وجوده بمنزله رفقة أسرته، وتسلمه مفاتيح الشقة موضوع العقد، بما يضعف فرضية التزوير من أساسها.
من زاوية أخرى، ركزت المرافعات على عنصر الضرر، باعتباره ركناً جوهرياً في جريمة التزوير، مشيرة إلى أن الحديث عن ضرر مزعوم لا يستند إلى وقائع ملموسة. فبالرجوع إلى سجلات المحافظة العقارية، يتضح – وفق الدفاع – أن الشخص الموصوف بالمتضرر استفاد من عملية البيع ومن عائداتها لسنوات طويلة، دون أن يثير أي نزاع أو يدعي خسارة.
واعتبرت هيئة الدفاع أن هذا المعطى يشكل قرينة قوية على انتفاء الضرر، ما يؤدي قانوناً إلى سقوط أحد الأعمدة الأساسية للمتابعة الجنائية.
وبخصوص عقد بيع آخر يخص أطرافاً مختلفين، من بينهم العاتيقي، أوضح الدفاع أن هذا الأخير حضر أمام المحكمة وأكد سلامة العملية وعدم تعرضه لأي ضرر كمشترٍ، دون الإدلاء بأي وثيقة تناقض ذلك، وهو ما طرح، حسب الدفاع، تساؤلاً جوهرياً حول منطق الاتهام ومصلحة الموثقة المفترضة في ارتكاب تزوير دون وجود نية للإضرار أو تحقيق منفعة غير مشروعة.
كما توقفت المرافعات عند نتائج الخبرة الخطية المنجزة على مجموعة من العقود، والتي انتهت إلى التأكيد على صحة التوقيعات وتطابق الإرادات بين الأطراف، ما ينفي، وفق الدفاع، وجود الركن المادي لجريمة التزوير.
وأضاف الدفاع أنه حتى في حال افتراض وجود اختلالات شكلية، فإن تكييفها القانوني لا يرقى إلى مستوى التزوير في محرر رسمي، بل يدخل – إن صح – في إطار محررات عرفية، وهو ما يجعل الدعوى خاضعة للتقادم، خاصة وأن الوقائع تعود إلى سنة 2014.
وفي ختام مرافعته، خلص الدفاع إلى أن الملف لا يعدو أن يكون تضخيما لخطأ مهني محتمل، لا يستوفي شروط الجريمة الجنائية، مشيراً إلى الأثر النفسي والصحي الذي خلفته المتابعة الطويلة في حق الموثقة، رغم خلو سجلها المهني من أي سوابق.
وطالبت هيئة الدفاع بالحكم ببراءة موكلتها لانتفاء أركان جريمة التزوير، واحتياطياً إعادة تكييف الأفعال وسقوط الدعوى العمومية بالتقادم، أو تمتيعها بأقصى ظروف التخفيف، مراعاة لوضعها الصحي والمسار المهني الذي راكمته دون مخالفات.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });