تسير دولة الإمارات العربية المتحدة بخطوات ثابتة ومتسارعة نحو تعزيز نفوذها الاقتصادي في الصحراء المغربية، من خلال رصد استثمارات ضخمة وإقامة شراكات استراتيجية كبرى، ويأتي هذا التحرك في سياق دولي متشابك، حيث يلتقي الاقتصادي بالدبلوماسي، بدعم واضح من الولايات المتحدة الأمريكية التي جددت اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ولا يعتبر هذا التوجه مجرد مبادرة ظرفية، بل يعكس رؤية مستقبلية تهدف إلى تحويل الصحراء المغربية إلى وجهة اقتصادية إقليمية ذات تأثير مشرق.
وتبعا لتقرير حديث لشركة "أفريكا إنتليجنس" المتخصصة، بدأت ملامح تحالف اقتصادي جديد في الظهور، يضم أبوظبي ومؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية (DFC)، مع مشاركة متنامية لشركات أمريكية كبرى تسعى لتأسيس حضور استثماري في الأقاليم الجنوبية، ومن المنتظر ان ينضمّ بنك التصدير والاستيراد الأمريكي (EXIM) قريبا لتسهيل آليات التمويل وضمان استدامة المشاريع، ويعكس هذا التعاون رغبة دولية واضحة في دعم المشاريع الاستراتيجية بالصحراء المغربية، التي تعتبر فضاء مستقرا وجذابا للاستثمار.
وتراهن الإمارات، بحسب المعطيات نفسها، على نموذج استثماري قائم على المشاريع المشتركة المتخصصة، مع تركيز خاص على قطاعات الطاقات المتجددة والبنيات التحتية الكبرى، وعلى رأسها ميناء الداخلة الأطلسي، مما يضمن حماية وتوسيع الاستثمارات على المدى المتوسط والبعيد. ويصاحب هذا الزخم الاقتصادي دعم دبلوماسي أمريكي صريح، تجلى في تصريحات نائب وزير الخارجية الأمريكي، كريستوفر لانداو، الذي أكد تشجيع بلاده للاستثمارات الأمريكية في الأقاليم الجنوبية، في خطوة تعزز الدبلوماسية الاقتصادية وتجسد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء على أرض الواقع.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
ويستند هذا التحول الاستثماري إلى قاعدة سياسية واقتصادية متينة، أرساها الإعلان المشترك حول "الشراكة المبتكرة والمتجددة" الذي وقعه الملك محمد السادس والشيخ محمد بن زايد آل نهيان في دجنبر 2022، والذي فتح آفاق تعاون واسعة تشمل تمويل مشاريع البنيات التحتية والنقل والماء والطاقة، إضافة إلى السياحة والعقار وبرامج التكوين والتشغيل، وهذا يعكس انتقال العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية المتكاملة.
وتتجسد هذه الشراكة في سلسلة من المشاريع المهيكلة، أبرزها تطوير مطار الداخلة الدولي في إطار مشروع "Dakhla Hub"، وإنجاز ميناء الداخلة الأطلسي، إلى جانب المشروع المندمج "Dakhla Gateway to Africa"، فضلا عن استثمارات نوعية في مجال الهيدروجين الأخضر، كما لايقتصر الحضور الإماراتي على الأقاليم الجنوبية فقط، بل يمتد ليشمل تحديث وتطوير مطارات الدار البيضاء ومراكش والناظور، في إطار رؤية شاملة لإعادة هيكلة المنظومة اللوجستية الوطنية.
كما يتجاوز هذا التعاون البعد الوطني نحو آفاق قارية، حيث يراهن الطرفان، عبر صناديق الاستثمار السيادية، على تطوير البنى التحتية الإفريقية من خلال مشاريع استراتيجية كبرى، مثل أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي وإحداث أسطول بحري تجاري، مما يعزز موقع المغرب كجسر اقتصادي بين إفريقيا وأوروبا والأمريكيتين، وبفضل هذا الزخم الكبير، تبرز الأقاليم الجنوبية للمملكة ليس فقط كفضاء للتنمية والاستثمار، بل كبوابة للاستقرار والنمو في محيط إقليمي ودولي متغير.