الخبير البيئي الطلحي:التغيرات المناخية تستدعي وضع مخططات محلية للمناخ تتضمن خريطة المخاطر المحتملة لكل مدينة وقرية

بنزين سكينة الأربعاء 17 ديسمبر 2025

أعادت  فيضانات آسفي الأخيرة النقاش حول المخاطر التي تتهدد حياة المواطنين بالقرى أو المدن المحاذية بالقرب من مجرى المياه، خاصة أن العقدين الأخيرين تخللتهما العديد من الفواجع التي كان قاسمها المشترك، سقوط ضحايا نتيجة  سيول جارفة ارتبطت بأسماء وديان، كما هو الحال في الفيضانات التي عرفتها مدن المضيق، ورزازات، كلميم، سيدي إفني، تارودانت، طاطا ... ما بين عامي2002 و 2024، قبل الاستيقاظ على فاجعة آسفي الأخيرة.

وبالموازاة مع الصور المحزنة التي وثقت حجم الخسائر المادية والبشرية التي خلفها الفيضان، تناقلت مواقع التواصل صورا توضيحية تظهر اختراق "وادي الشعبة" للأحياء المتضررة، إلى جانب وثائق تاريخية تظهر تعرض المنطقة لعدد من الفيضانات، مع طرح عددا من التساؤلات التي تخللتها تخوفات حول مدى الخطر الذي تمثله الأودية داخل المدن والقرى، وإمكانية تكرار نفس السيناريوهات في حال توفر نفس الشروط المناخية.

وفي هذا السياق، أوضح الخبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية، الدكتور أحمد الطلحي، في تصريح لموقع "أحداث أنفو" أن بناء المدن القديمة كان يتم بالقرب من مصادر المياه، سواء كانت مياها جوفية، أو فرشات مائية، أو عيون، أو ضفاف أودية، وهو ما تشهد عليه أمثلة كثيرة مثل مدينة فاس التي يشقها الواد إلى عدوتين، عدوة القرويين وعدوة الأندلس، إلى جانب سلا والرباط  المشيدتان على ضفاف وادي أبي رقراق.

وأشار الخبير في البيئة، أن بناء هذه المدن العتيقة كان يتم بالموازاة مع بناء عناصر انشائية لحمايتها من الفيضانات، أو تشييدها على هضبة أو تلة قريبة من الوادي، مضيفا أن هذه الاحتياطات لم تكن تمنع من حدوث فيضانات في حال وقوع أمطار طوفانية تتسبب في حمولة مائية  وصبيب غير معتاد ،  كما هو الحال بآسفي التي عرفت العديد من الفيضانات في الماضي.

وردا على التخوفات التي باتت ترى في كل بناء بالقرب من الأودية عامل خطر أوضح الطلحي أن القرب من الواد لا يمنع من بناء المدن، شرط اتخاذ الإجراءات والاحتياطات الوقائية، وخص بالذكر العناصر العمرانية التي تقي المدينة من الكوارث الطبيعية، موضحا أن وثائق التعمير، وخاصة تصاميم التهيئة، يتم إعدادها بناء على الخريطة الهيدرولوجية، وهي خريطة المجاري المائية سواء كانت أودية، أو شعب، حيث يتم الكشف من خلالها عن مجاري محرمة البناء ، وهي التي يمكن تخصيصها للمناطق الخضراء، و التشجير ، أو تخضع لتدخل بشري من أجل تحويل مجرى المياه بشق قنوات جديدة.

وأضاف الخبير أن معرفة النقاط السوداء تمكن من توفير التدخل القبلي بناء على النشرات الإنذارية، حيث يتم الاستعداد لمواجهة أي احتمال لوقوع أزمات ومخاطر طبيعية.

وفي ظل التغيرات المناخية وما تحمله من مؤشرات مقلقة تحيل على إمكانية تكرار الكوارث الطبيعية، أكد الخبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية، أن الدول والمدن ملزمة بالاستعداد في إطار سياسة  التأقلم مع التغيرات المناخية ،سواء كانت جفافا طويل الأمد،  أمطارا طوفانية، أو انزلاقات التربة ... وذلك من خلال تدابير استعجالية، في مقدمتها إنجاز مخططات محلية للمناخ على غرار المخططات الجهوية  تتضمن خريطة المخاطر المحتملة ونوعيتها في كل مدينة وجماعة قروية، مع وضع الإجراءات الوقائية المناسبة و توزيع المهام بين المتدخلين، إلى جانب رصد ميزانيات مناسبة بناء على وثيقة مرجعية تمثل المخطط المحلي للمناخ.