فاجعة سقوط بنايتين بمدينة فاس، والتي خلفت عدة ضحايا، من المفروض أن تحدث رجة كبيرة في الحكومة والمؤسسات الترابية. وفي انتظار استكمال التحقيقات وتبين الأسباب في هذه الكارثة، لا يمكن استبعاد المسؤولية البشرية، وبالتالي لا يمكن استبعاد وجود حلقة فساد. وإذا ما أكدت التحقيقات ذلك فسنكون أمام جريمة مكتملة الأركان تستوجب الزجر بقوة.
وفي انتظار استكمال التحقيق في الكارثة، لا بد من الإشارة إلى أن "ظاهرة" الفساد في بلادنا تشكل واقعا مؤلما نعيشه في حياتنا اليومية المغربية. ففي غياب قرائن قانونية تخول المتابعة، يجري الحديث في الجلسات الخاصة عن فساد مجموعة من المسؤولين وغير المسؤولين وتلاعبهم بمستقبل البلاد. فضلا على التوجه الاستراتيجي للمغرب في سبيل الرقي بالبلد وإدخاله نوادي البلدان المتقدمة، ما زالت هناك ممارسات مخيفة تشد المغرب إلى الوراء. مازال هناك تلاعب في الصفقات، على الرغم من وجود قوانين يتم القفز والتحايل عليها.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
مازالت هناك مؤامرات تحاك في الجلسات الخاصة تستهدف المال العام.
مازالت هناك تلاعبات تستهدف الاغتناء الشخصي غير المشروع على حساب تنمية البلد وعدالته الاجتماعية والمجالية.
هناك تلاعبات في الصفقات وفي إنجاز الأوراش وفي البرامج التنموية وفي الولوج إلى المؤسسات.
مازال هناك حضور للمال في دخول البرلمان وتلاعبات في المشاريع.
مازال هناك حضور للرشوة، الرشوة الكبيرة طبعا أما الرشوة الصغيرة فقد أصبح التعامل معها، بشكل مخيف، على أنها واقعا وأمرا مسلم به.
كل هذه الممارسات، وغيرها كثير، منتشرة وأحيانا تمارس بشكل ظاهر لا غبار عليه.
هذه الأمور تدخل كلها في خانة الفساد، هذا الأخير الذي يجعل بلدنا مصنفا في مراتب غير مقبولة في تقارير دولية ووطنية.
طيب، هذا الأمر لم يعد يخفى على أحد. والتشخيص بلغ ذروته. والمغرب يحتل مراتب مخزية في مدركات الفساد، بالنظر لما يجب أن يكون عليه. كل هذا الوضع يتفاقم، والفساد يتناسل بشكل مخيف، والأخطر ما في الأمر استمرار الإفلات من العقاب.
قد يقول قائل إن ممارسات الفساد تتم في الظلام ويصعب ضبطها، وذلك ما سبق لوزير العدل عبد اللطيف وهبي أن صرح به. غير أن هذا التبرير يضرب في الصميم مفهوم الدولة ومؤسساتها.
لقد سن المغرب عدة قوانين وخلق عدة مؤسسات لمراقبة النزاهة ومواجهة الفساد، غير أن كل هذه الأمور لم تجد نفعا.
هل الأمر يتعلق بقصور تلك القوانين وعدم قدرة المؤسسات الرقابية على محاصرتها؟ هل يتعلق الأمر بتغول لوبيات فساد تتكتل من أجل التحكم في دواليب بعض الأمور؟ الأسئلة كثيرة ومتنوعة، لكن كلها لا تجيب على ما يعرفه البلد من فساد يضرب في الصميم كل برامج التنمية التي من المفروض أن تقوم على النزاهة والشفافية والإخلاص للوطن بالدرجة الأولى.
يمكن المجازفة بالقول: إن الفساد اليوم هو أكبر تحد يواجهه المغرب. وهو أقوى من كل التحديات الأخرى. والخطير في الأمر أن هذا الواقع يهدد كل الإنجازات التي يحققها البلد بشكل تصاعدي. والقاعدة الأساسية هي أن لا تنمية مع وجود فساد. ولا مجال للحديث عن استئصال هذه الآفة، التي تعيق تطور الأوطان، إلا بالضرب بالحديد على يد كل المفسدين. والأمر يتعلق بسلسلة لها جذورها ولها بدايات من المفروض أن تراعى في كل استحقاق.
إن الخطاب الرسمي للدولة يقوم على الشفافية والنزاهة والمحاسبة. غير أن الممارسة في كثير من الأحيان، تناقض الخطاب وتجعلنا أمام وضع مخز مناف للقانون والأخلاق معا. هنا لا بد من الإقرار بوجود خلل عميق تتحمل مسؤوليته الدولة والمجتمع..