حذرت هيئةُ الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية من أن العنف الرقمي يشكّل انتهاكًا لحقوق الإنسان ويقوّض سلامة النساء والفتيات ورفاههنّ في مختلف أنحاء المنطقة، مع ما يخلّفه من آثار مدمّرة على الصحة النفسية، والمشاركة في الحياة العامة، والوصول الآمن إلى الفضاءات الرقمية.
وفي إطار دعم الحكومات وصناع القرار والمجتمع المدني في التصدي لهذا التهديد المتسارع، أطلقت الهيئةُ موجزًا إقليميًا بعنوان "العنف الرقمي في الدول العربية: نظرة عامة والممارسات القانونية الجيدة"، يستند إلى دراسة أُجريت في المنطقة عام 2022.
وأفاد التقرير الأممي أن الموجز كشف عن مؤشرات مقلقة، إذ أفادت 49 في المائة من النساء المستخدمات للإنترنت في الدول العربية بأنهن لا يشعرن بالأمان من التحرش الإلكتروني، كما تتعرض الصحافيات والناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان لهجمات رقمية متواصلة، تشمل التحرش والتهديد وحملات التشهير المنظمة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
وأضاف أن العنف الرقمي يتجاوز الفضاء الإلكتروني إلى الحياة الواقعية، إذ ذكرت 44 في المائة من النساء اللواتي تعرضن للعنف الرقمي خلال عام واحد أن الإساءة انتقلت إلى الواقع، وفي بعض الحالات كانت لها عواقب مميتة.
وقال الدكتور معز دريد، المدير الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية، "أصبحت الفضاءات الرقمية جبهةً جديدة للعنف ضد النساء والفتيات في منطقتنا. ما يقارب نصف النساء المستخدمات للإنترنت في الدول العربية لا يشعرن بالأمان. وهذا يدفع الكثيرات إلى الانسحاب من الفضاءات الرقمية، ويُسكت أصواتهن، ويحدّ من مشاركتهن الاقتصادية والاجتماعية. لا يمكن الحديث عن التقدم الرقمي أو تنمية شاملة بينما تُنتهك حقوق النساء وتُستغل المنصات الرقمية للإساءة إليهن. على الحكومات وشركات التكنولوجيا وكل شركائنا التحرّك فورًا لسد الفجوات القانونية، وإنهاء الإفلات من العقاب، وضمان فضاءٍ رقمي آمن لكل النساء والفتيات".
وشدد التقرير على أن النساء والفتيات وفي مختلف أنحاء الدول العربية، تواجه طيفًا واسعًا من أشكال العنف الرقمي، بدءًا من إرسال الصور أو الرسائل ذات المحتوى الجنسي غير المرغوب فيه، مرورًا بالإهانات وخطاب الكراهية والمكالمات والرسائل المزعجة، ووصولًا إلى الإفصاح القسري عن المعلومات الشخصية، والإساءة باستخدام الصور والفيديو بما في ذلك تقنيات التزييف العميق، وانتحال الهوية، والمطاردة الرقمية، والترويج الإعلامي المضلل، والمعلومات المضللة التي تستهدف النساء والفتيات.
وحسب التقرير ذاته، تشير بيانات الهيئة إلى أن 70 في المائة من الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان تلقّين صورًا أو رموزًا غير مرغوب فيها ذات محتوى جنسي، كما تلقت 62 في المائة رسائل مهينة أو مفعمة بالكراهية، بينما أفادت 58 في المائة بتلقي مكالمات هاتفية مضايِقة أو اتصالات غير لائقة أو غير مرغوب فيها. وغالبًا ما يتصرف مرتكبو هذا العنف بمنطق يثير القلق؛ إذ ذكر أكثر من ربع الرجال الذين اعترفوا بممارسة العنف عبر الإنترنت أنهم فعلوا ذلك "لأنه حق لهم"، بينما قال آخرون إنهم مارسوه "بدافع التسلية".
وأردف المصدر ذاته موضحا أن آثار هذا العنف لا تقتصر على الفضاء الرقمي، إذ يخلّف مستويات عالية من الخوف والقلق والضغط النفسي. وقد ذكرت 35 في المائة من النساء اللواتي تعرضن للعنف الرقمي أنهن شعرن بالحزن أو الاكتئاب، بينما أفادت 12 في المائة بأنهن راودتهن أفكار انتحارية. كما قامت واحدة تقريبًا من كل خمس نساء تعرضن للعنف عبر الإنترنت بحذف حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي أو تعطيله نتيجة التعرض للعنف الرقمي، فيما اختارت أخريات تقليص حضورهن الرقمي أو ممارسة رقابة صارمة على ما ينشرنه، وهو ما يحدّ من حضورهن وصوتهن في الفضاء الرقمي وحقهن في التعبير والوصول إلى المعلومات.
وعلى الرغم من خطورة الوضع، أكد التقرير أن غالبية التشريعات في الدول العربية - كما في معظم أنحاء العالم - لا تزال غير قادرة على معالجة جميع أشكال العنف المُيسّر بالتكنولوجيا، لأن التطورات التشريعية لا تواكب سرعة التغير التقني، مما يترك فجوات خطيرة في مجالات الوقاية والحماية والمساءلة.
وحسب التقرير الأممي فقد سلط الموجز الضوء على ممارسات واعدة في كل من مصر والمغرب ولبنان وتونس والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث تم توسيع قوانين العنف ضد النساء والفتيات، والتحرش الجنسي، والجرائم الإلكترونية لتشمل الفضاء الرقمي، وتجريم أفعال مثل مشاركة الصور دون موافقة، والتحرش الإلكتروني، وإساءة استخدام البيانات الشخصية. ومع ذلك، تبقى هذه الجهود غير كافية، ولا تزال الكثير من النساء والفتيات يعانين من العنف الرقمي دون سبل واضحة وفعالة للجوء إلى العدالة.