نداء.. بعد فوات الأوان!

بقلم: المختار لغزيوي الاثنين 24 نوفمبر 2025
cdn4.premiumread
cdn4.premiumread

في مواقع التواصل يطلب مني من يتابعون ما أرتكبه أن أعلق لهم على ما يقع.

بعضهم يطلبها فعلا عن حسن نية، لكي يتضح له الباطل من الحق، إذ يعتقد أن العبد لله، بحكم مهنته ووظيفته، مطلع على الخبايا والكواليس، مع أن من يعرفون الفقير إلى الله هذا -حقا، وليس عن طريق العنعنة الظالمة- يعرفون أنه من المنزل إلى العمل ومن العمل إلى المنزل، تاركا جلسات المقاهي وغيرها من أماكن النميمة، لمن يهتمون بأحوال الناس وينسون أنفسهم. 

والبعض الثاني يطلب التعليق فقط لكي يجد مبرر سب جديد، وعذر شتم آخر. وهؤلاء تعبت من محاولة إقناعهم بأن الشتم والسب حيلتا العاجز الضعيف الذي لا حجة له ولا برهان ولا تربية، فقررت الابتعاد عنهم، والاكتفاء بحظر كل شتام، والسلام. 

وحقيقة، على طلب الطرفين، كنت أجد نفسي أرد: التعليق على ماذا، ونحن أمضينا جزءا غير هين من العمر نقول لكم، من هذا المنبر، ومن غيره، إننا نتجه، بكل ثقة وعزم وإصرار، إلى أكبر جدار لكي نصطدم به، ولا أحد أراد الإنصات أو الاستماع، أو حتى مثل دور من قرر بعض الفهم القليل؟ 

التعليق على ماذا؟ والتعليق على من؟ والتعليق لماذا والجميع يتحدث ولا يصمت، ولا أحد ينصت لأحد داخل "مهرجان المهابيل" المسمى حرفتنا؟ 

الكل، ودون أي استثناء بما لديهم فرحون. وكل زميل، ومعه كل زميلة، يعتقدان، بل يؤمنان أنهما لوحدهما "مضويين البلاد". وكل صحافي سألته عن الصحافي الآخر يرد عليك بالقول أنه "أكبر فاسد في الكون". 

هذه القبيلة لا تأكل أبناءها فقط، مثلما قال أكثر السودانيين مغربية، أستاذنا طلحة جبريل ذات يوم. 

لا، هذه القبيلة تأكل نفسها حقدا وحسدا وصغرا لا متناهيا، وجوعا لا يقبل الشبع ولا يستطيعه، وخسة، وانعدام عفة وقلة مروؤة. 

لذلك لا يحترمنا الناس. 

وبالنسبة لأكثرنا إحساسا، نستطيع أن نقول إننا لا نحترم أنفسنا، ولا نستحق هذا الاحترام. 

وإني لا أستثني نفسي، ولا أستثني أحدا، لأننا وصلنا قعر القرار، وقاع القاع، ومع ذلك نواصل "الحفير" الذليل.

عن أي معدن نبحث بالتحديد في باطن هذا النزول الذي نواصله؟ 

وما الهدف من هذا الهبوط غير الاضطراري الذي نجد فيه -جميعا - لذة سادية ومازوشية لا تفسير لها؟ 

لا أدري، أو في الحقيقة لا أريد، مثل البقية، أن أدري. 

أتذكر فقط، أنني وغيري، في الزمن الأول من العمر، وفي صبا الحياة، عندما كنا نحلم أن نصبح صحافيين، تخيلنا الأمور أجمل من هذا الشكل الكئيب بكثير. 

الآن، تورطنا. 

الآن علقنا. 

والآن، لم يعد أمامنا إلا أن نراقب شماتة الزمن بنا، وقد تعرضنا لأكبر "شمس العشية"، يمكن لغبي/ بليد/ عبيط، أن يتعرض لها. 

الحكاية ليست حكاية بطاقة، ومجلس، ونقار عبر "اليوتوب"، وسباب متواصل ومتبادل آناء الليل وأطراف النهار، وزمالة تنضح عيبا، بل عيوبا عديدة، وكثير نواقص ومثالب وكوارث. 

لا، الحكاية أسوأ بكثير. 

الحكاية حكاية مهنة، كانت نبيلة، وكانت جليلة، وكانت عالمة، وكانت دارسة، وكانت واعية، وكانت ذات رسالة، فأصبحت مجرد رذاذ قبيح خارج من فم ذي رائحة أقبح، ينثر نفسه على الجميع. 

من فاز؟ من انهزم؟ 

انهزمت المهنة، وانتصرت عليها الرداءة الكامنة فينا، نحن جميعا. 

ألف مبروك إذن، ولا عزاء لمن بقي على بلادته الأولى مستعدا للتصديق.

"دير عليها شي فيديو.. آحميد، وآرا لينا شي بيان جديد نوقعوه" فلا وقت لدى صحافيي البلد وصحافياته، ولا رغبة، ولا قدرة أساسا على توقيع المقالات الحقيقية.