ساكنة سطات تتفرج..

حسن حليم الجمعة 14 نوفمبر 2025
No Image

سطات تئن في صمت. أصابها ما أصابها من علل نخرت جسدها، فتآكلت معها جميع الأعضاء. وضعت في غرفة إنعاش موحشة، وتركت هناك بلا فحوصات، ولا حتى خضعت لتحاليل مجهرية دقيقة لمعرفة موطن الداء. الغرفة نتنة، والقطط شرسة، تتربّص وتتحين الفرص لالتهام ما تبقى من مشتقات الحليب المنتهية صلاحيته وبقايا الخبز الذي تُرك فوق الصندوق الحديدي المتعفّن الموضوع بجانب السرير المتهالك.

بعد كل زيارة طبية، ولو على قلتها، ينصح بزيادة جرعات المسكنات والمهدئات، وتسريح أنبوب "السيروم" المثقوب. المرتفقون، الذين أحزنهم وضعها الصحي، غير قادرين على فعل أي شيء. عند كل زيارة يكتفون بمراقبتها بحسرة من وراء الزجاج، يتفرّجون على موتها السريري.

وعلى السرير البئيس، ذي الغطاء المتسخ، تستيقظ في فزع سكون الليل المظلم. تنتابها أحلام وردية تمدد أملها في الحياة، لكنها سرعان ما تتحوّل إلى كوابيس مرعبة، تنقلها في سفر متعب إلى الأزقّة والشوارع المحفّرة، وإلى سياسة عمرانية يلفّها ضباب كثيف يحجب الرؤية. تكالبت عليها أيادٍ عقارية طمست جماليتها، وهي عاصمة للشاوية، بتواطؤ مع مسؤولين لا همّ لهم سوى ملء جيوبهم وإنعاش مصالحهم الخاصة على حساب المصلحة العامة.

أما المسيرون الجماعيون، فيركنون داخل ردهات الجماعة، لا نراهم إلا خلال المناسبات والدورات داخل قاعة كبيرة أُعدّت للسبّ والشتم وتبادل الألفاظ النابية، فيما وُضعت مصلحة المدينة جانباً. أمّا السلطات المحلية فاتّخذت موقع الحياد، وتقمّصت دور المتفرج. البرلمانيون في الضفة الأخرى يتسابقون، خاصة خلال الفترة التي تفصلنا عن الاستحقاقات، إلى طرح أسئلة داخل قبة البرلمان، أقلّ ما يقال عنها إنها غير ذات جدوى ومتأخرة.

أمّا الملك العمومي فأصبح في خبر كان… لم يعد عمومياً. والكل يتفرج.

المستشفى الإقليمي بدوره لم يتأقلم معه المرتفقون؛ فهو يحتاج إلى تجهيزات ضرورية وإلى موارد بشرية قادرة على تقديم خدمات صحية مواطِنة. هجره الأطباء والممرضون الذين اختاروا العمل خارج الوطن، في ضرب صارخ للقوانين المعمول بها.

والكابوس المخيف حل بجامعة الحسن الأول، التي انسَلخت عن دورها التنموي المحوري، وأصبحت مجرد بنايات بلا تدبير ولا تسيير واضحين. لم يعد هناك مجال للبحث العلمي الذي يعود بالنفع على محيطها. رئيس لم يستسغ بعدُ السرعة التنموية التي نادى بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس. الجامعة تتخبّط في عشوائية واضحة، والطلبة والطالبات يعانون من بيروقراطية خانقة.

أما المشاريع الاستثمارية، فمجمّدة، عطّلت عجلة التنمية بالمدينة. والبلدية عاجزة عن استرجاع واجباتها الضريبية وعن وقف زحف الملك العمومي، وتعطّلت مشاريع كانت ستعود بالنفع على المدينة وعلى مواطنيها الذين ما زالوا ينتظرون خروج العامل الجديد من مكتبه. يتوسّمون فيه الكثير، نظراً لخبرته وذكائه التدبيري في تصليب عود التنمية وتنقية أغلب القطاعات من الشوائب.

المجتمع المدني تائه، يسير بسرعة السلحفاة، يستفيق حسب المناسبات برؤية محدودة، في حدود المنح الهزيلة المقدّمة. هذه المدينة التي تعجّ بالكفاءات الموسيقية والمسرحية والسينمائية والرياضية والجمعوية والتشكيلية والأدبية والتربوية، ما زالت لم تجد الخلطة السحرية القادرة على تدوير عجلتها بشكل منتظم. ليس هناك مشروع، ولا استراتيجية، ولا رؤية واضحة. بعض الأحزاب تخلّت عن دورها التأطيري والانتقادي، وظلّت حبيسة مقرات تُفتح فقط خلال الانتخابات والمناسبات.

كل شيء معطل، في انتظار الذي يأتي… أو لا يأتي.

يظل هذا الكابوس يخنق أنفاس المدينة العليلة، التي ما تزال فوق السرير المؤلم، لتفتح عينيها في الصباح، بعد أن بلّل العرق جسدها، لترى زوّارها من خلف الزجاج ما زالوا ينتظرون موتها.