المبادرة الأطلسية‫..‬ مشروع ملكي استراتيجي لمواجهة إرهاب الساحل بالتنمية

أحداث.أنفو الخميس 06 نوفمبر 2025
No Image

بينما ترى فيه العديد من الدول، وعلى رأسها النظام العسكري في الجزائر، فضاء للإرهاب، وتضاريس تبتلع أبناءها، بالقدر الذي تشكل فيه مخبأ للإرهابيين، كانت النظرة الملكية تعلو فوق هذه الكليشيات الجاهزة، وتحاول الارتقاء بهذا الوضع، عبر الإعلان عن مبادرة اقتصادية، لكنها اجتماعية في عمقها، تهدف لتنمية منطقة الساحل والصحراء، وإخراج أبنائها من ظروفهم المزرية.

ففي خطاب له سنة 2023، جاء الاقتراح الملكي بإطلاق «مبادرة على المستوى الدولي تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي»، ضمن رؤية ملكية، ستشكل حجر الزاوية لمشروع رائد غايته تحسين الظروف المعيشية لسكان دول منطقة الساحل، حسب توصيف لمجلة جون أفريك، والتي تضمن تقرير لها تصريحا ليوسف شهاب، الأستاذ المشارك في جامعة السوربون باريس نور، ومدير الأبحاث في المركز الوطني للبحوث، الذي قال «إن المبادرة الملكية هذه ستكون هي المعركة الكبرى في العشرين أو الثلاثين سنة القادمة، ويمكن للمغرب أن يحقق نتائج جيدة في اللعبة، في مواجهة النفوذ الروسي والصيني، حيث أصبحت المملكة مركزا لتأمين نفوذ الغرب».

ولقبت هذه المبادرة دعما عالميا، بسبب ريادتها، حيث عبرت العديد من القوى العالمية عن دعمها، باعتبارها سترفع من الكفاءة الاقتصادية والتنموية لهذه المنطقة المهملة، كما أنها ستشكل منفذا اقتصاديا لسوق اقتصادي كبير، ما جعل الصحيفة الفرنسية تصفها بأنها «فكرة جريئة واستراتيجية» بالرغم من صعوبة تنفيذها لمتطلبات ضرورة تشييد بنية تحتية ضخمة.

وتهدف المبادرة الملكية من أجل المحيط الأطلسي، المشروع الذي قدمه المغرب إلى أربع دول من منطقة الساحل (بوركينا فاسو والنيجر ومالي وتشاد) في دجنبر 2023 بمراكش، إلى تسهيل الوصول إلى بلدان الساحل غير الساحلية إلى المحيط، وفي نهاية المطاف إنشاء منطقة للتنمية الاقتصادية والتبادلات التجارية بين دول غرب إفريقيا وبقية دول العالم، حيث عبرت المملكة عن استعدادها لإتاحة الطرق والموانئ والسكك الحديدية والبنية التحتية الصناعية لدول الساحل الأربع.

الدول المعنية بالمبادرة رحبت جميعها بهذا المشروع، وقامت بالفعل بتشكيل فرق العمل الخاصة بها، من أجل تنظيم المناقشات الدبلوماسية وإطلاق دراسات الجدوى الأولى، في الوقت الذي رأت فيه العديد من الدول في المشروع مبادرة لتحويل اقتصادات دول الساحل، وتحسين الظروف المعيشية للسكان وتأمين المنطقة التي تعاني من عدم الاستقرار الكبير.

وبالقدر الذي عبر فيه المغرب عن رغبته في أن يكون مركزا وجسرا بين غرب إفريقيا وأوروبا، والاندماج في منطقة اقتصادية شبه قارية، مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، اعتبر تقرير «جون أفريك» أنه يمكن لهذه المبادرة الملكية أن تفيد أيضا مشروع خط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا، وأنه إذا شكل المغرب ودول الساحل كيانا متجانسا، فسيكون ذلك رصيدا قيما للمملكة.

ويبين هذا التوجه نظرة المملكة الرافضة لابتزاز دول المنطقة، واستغلال وضعهم الهش، وهو ما سبق أن أعلن عنه وزير الخارجية ناصر بوريطة، خلال لقاء جمعه مؤخرا بوزير الخارجية البوركينابي، حين أعلن أن المغرب يعارض بشدة «منطق مقدمي الدروس وأولئك الذين يلجؤون لابتزاز بلدان الساحل»، موضحا أن المغرب ملتزم بوضع خبرته وتجربته رهن إشارة هذه البلدان من أجل مواكبتها في برامجها وطموحاتها، وبأن المبادرة الملكية الرامية إلى تمكين بلدان الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي تندرج ضمن هذه الرؤية، بهدف تمكينها من استعادة توجهها كأرض للتبادل والعبور.

وبعيدا عن النتائج الاقتصادية للمبادرة الأطلسية الملكية، والتي وصفت بأنها دعوة لدول المنطقة لتحمل المسؤولية والتحلي بالواقعية، بعيدا عن الطوارئ السياسية، سبق لمعهد «روسي»، أحد أبرز مراكز التفكير في المملكة المتحدة، أن سلط الضوء على دور المبادرة الأطلسية في تعزيز التعاون الأمني الإقليمي‫، عبر‬ تمكين دول الساحل غير الساحلية من الوصول إلى الطرق التجارية البحرية عبر البنية التحتية للموانئ الأطلسية في المغرب، إذ تعد واحدة من "أكثر الإجراءات طموحا" التي تبنتها المملكة‫.‬

وأشار المعهد إلى أن هذا المخطط يهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، وتقليل الاعتماد على الممرات التجارية غير المستقرة، بالإضافة إلى تعزيز روابط المغرب مع جيرانه الجنوبيين، مما سيساهم على المدى الطويل في محاربة عدم الاستقرار، والإرهاب، والاتجار غير المشروع في المنطقة، ‫مشددا ‬على أن التزام المغرب تجاه دول الساحل يندرج أيضا ضمن شراكات جيو-اقتصادية أوسع نطاقا تهدف إلى تعزيز التكامل الإقليمي، مثل مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، الذي يسعى إلى ربط الموارد الطاقية لغرب إفريقيا بشمال إفريقيا وأوروبا‫.‬

كما اعتبرت الخبيرة، بياتريس دي ليون كوبو، أن الولوج إلى الموانئ المغربية يمنح دول الساحل "ممرا أساسيا" نحو الأسواق العالمية، مما يقلل من اعتمادها على دول الجوار الأخرى‫، ما يشكل حاجزا أمام‬ التهديدات التي تواجه المنطقة، ويثبت أهمية انخراط المغرب في دعم الساحل، باعتباره انخراطا يترجم على أرض الواقع من خلال تقديم المساعدات التنموية والاستثمارات في البنية التحتية، ما جعل المملكة "شريكا موثوقا" لدول المنطقة‫.‬