تحت شعار "تعزيز آليات الرقابة الإدارية والقضائية لتدبير الأموال العمومية، دعامة أساسية لرفع الثقة في المرفق العمومي وتخليق الحياة العامة"
نظمت رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية أيامًا دراسية تكوينية موجهة لقضاة أقسام الجرائم المالية.
وأكد هشام البلاوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة، في كلمة افتتاحية بهذه المناسبة، أن هذه الأيام الدراسية تتناول موضوعًا ذا راهنية كبرى بالنظر إلى ارتباطه بتعزيز آليات الرقابة القضائية والإدارية لتدبير الأموال العمومية باعتبارهما دعامة أساسية لتكريس حكامة تدبير المرفق العمومي وحماية المال العام. وأضاف أن تنظيمها جاء في سياق وطني ودولي يتسم بدينامية متسارعة تستوجب ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وشفافية التدبير، ومحاربة كافة أشكال الاختلالات التي قد تمس بالمال العام باعتباره أحد المداخل الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة بمختلف أشكالها وتكريس العدالة الاجتماعية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
وطالب البلاوي بتقوية آليات الرقابة القضائية والإدارية في مجال تدبير الأموال العمومية باعتبارها دعامة أساسية لتخليق الحياة العامة وتقوية الحكامة المؤسساتية.
ودعا القضاة والخبراء وممثلي مؤسسات الرقابة والحكامة، المجتمعين من أجل تدارس ومناقشة سبل تفعيل وتحسين آليات الرقابة على تدبير الأموال العمومية بهدف تعزيز قيم الشفافية والنزاهة وتقوية آليات حماية المال العام، إلى مناقشة مجموعة من المواضيع المرتبطة بمراقبة المال العام من عدة زوايا، بدءًا من استحضار المرجعيات والمعايير الدولية والوطنية المرتبطة بمفهوم المال العام والحدود الفاصلة بين المسؤولية التأديبية والمسؤولية الجنائية، مرورًا بآليات الرقابة الإدارية وتقنيات مراقبة تدبير النفقات العمومية، ودور القضاء في حماية المال العام، وانتهاءً باستعراض آليات استرجاع المال العام.
وأوضح أن بلادنا بذلت مجهودات جبارة في مجال مكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة تجسدت من خلال مجموعة من المبادرات، من بينها الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وما أعقب ذلك من تدابير وإجراءات، من أهمها الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي تعتمد على مجموعة من المرتكزات والأهداف، بالإضافة إلى إحداث أقسام للجرائم المالية، وإحداث فرق للشرطة القضائية متخصصة في هذا النوع من الجرائم، وإصدار قانون حماية الشهود والمبلغين والضحايا والخبراء، وتعديل قانون مكافحة غسل الأموال وغيرها من الإجراءات والتدابير التي تؤكد على أن موضوع تخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد من المواضيع الثابتة في السياسات العمومية والسياسة الجنائية ببلادنا على حد سواء.
وفي هذا السياق، أكد رئيس النيابة العامة أن تحقيق الغايات المرجوة من السياسات الوطنية الرامية إلى حماية المال العام تقتضي مقاربة الموضوع من زوايا متعددة ترتكز على تدابير استباقية تتوخى تقوية الجانب الوقائي وأخرى للزجر، دون إغفال الجوانب ذات الصلة بالحكامة والتكوين والتوعية والتحسيس. وبرز أن تعزيز الثقة في المرفق العمومي لا يمكن أن تبنى إلا من خلال التدبير المسؤول للمال العام في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة وتفعيل آليات رقابية فعالة سواء كانت إدارية أو قضائية، قادرة على كشف الإخلالات ومعالجتها في الوقت المناسب. كما أن تخليق الحياة العامة لا يعتبر مهمة تقتصر فقط على جهاز أو مؤسسة بعينها، بقدر ما هو رهين بتظافر جميع الفاعلين من سلطات إنفاذ القانون وهيئات الرقابة والمجتمع المدني، وذلك انسجاما مع التوجيهات الملكية التي ما فتئت تؤكد على ذلك.
وشدد المتحدث على أن مكافحة الفساد ليست عملية ظرفية مرتبطة بتنزيل خطة عمل أو بإجراء إصلاح معين، أو بتنفيذ توصيات محددة، بل هي بناء مستدام يقتضي تطوير آليات الرقابة بشكل مستمر، على النحو الذي يوفر آليات استباقية لمواجهة المخاطر التي قد تستهدف المال العام باعتباره أساسًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولذلك فإن حماية المال العام تقع على عاتق الجميع، مما يتطلب نهج مقاربة تشاركية تنبني على التنسيق والتعاون بين كافة المتدخلين المعنيين بحمايته.
وشدد على أن رئاسة النيابة العامة جعلت من حماية المال العام والتصدي لجرائم الفساد المالي أحد أهم الأولويات الثابتة في السياسة الجنائية التي تسهر الأخيرة على تنفيذها، وهو ما يجسده عدد الدوريات الموجهة للنيابات العامة بهذا الخصوص، وكذا حرص النيابات العامة لدى محاكم المملكة على التصدي لمختلف أشكال الجرائم المالية والتعامل مع الشكايات والتبليغات والتقارير الصادرة عن هيئات الرقابة بالجدية اللازمة، وفتح الأبحاث وتحريك المتابعات القضائية بشأنها، فضلاً عن تفعيل أحكام القانون المتعلق بحماية الشهود والمبلغين والضحايا والخبراء.
وفي هذا الإطار، أكد البلاوي أن الخط المباشر المحدث ساهم على صعيد رئاسة النيابة العامة باعتباره آلية مفتوحة للعموم من أجل التبليغ عن ما قد يتعرضون له من ابتزاز، في تحقيق نتائج جيدة في مجال تخليق الحياة العامة تمثلت في ضبط 407 أشخاص في حالة تلبس. كما توصلت رئاسة النيابة العامة من المجلس الأعلى للحسابات خلال سنتي 2024-2025 بما مجموعه 22 تقريرًا تمت إحالتها على النيابات العامة، تم اتخاذ المتعين بشأنها.
وكشف المتحدث ذاته أن رئاسة النيابة العامة أبرمت عدة اتفاقيات للشراكة والتعاون مع مؤسسات وهيئات وطنية مختلفة نتج عنها تحقيق نتائج جد مشجعة، في مقدمتها اتفاقية الشراكة الموقعة بينها وبين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الأعلى للحسابات، مؤكداً أن هذه الاتفاقية مكنت من الارتقاء بمستوى التعاون والتكامل المؤسساتي في مجال مكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة.
وجدد البلاوي التزام النيابة العامة بالاضطلاع بالأدوار المنوطة بها بمقتضى القانون من أجل تعزيز قيم النزاهة والشفافية وحماية المال العام، عبر التفعيل الأمثل للوسائل القانونية والزجرية، والتفاعل بالجدية اللازمة مع كل الاختلالات التي قد تمس بتدبير المال العام. وفي المقابل، تؤكد النيابة على أهمية تفعيل آليات الرقابة الاستباقية بكل أشكالها التي يمكن أن تضطلع بها هيئات التفتيش والرقابة على تدبير المال العام.