إلى جانب الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني، تعتمد الممارسة الديموقراطية على ركيزة أساسية ثالثة هي الصحافة.
والصحافة هي أحد أهم أدوات تشكيل الوعي الجماعي وتأطير المجتمع، لما لها من قدرة على التأثير في الرأي العام وتوجيه النقاشات المجتمعية نحو القضايا ذات الأولوية. ومن خلال وظائفها المتعددة، تضطلع الصحافة بمسؤوليات جوهرية في بناء مجتمع متوازن، واع، ومشارك في الشأن العام.
وتقوم أدوار الصحافة على مهام ومسؤوليات. وأولى مسؤولياتها، نقل الأخبار والمعلومات إلى الجمهور بدقة وحياد. فالإعلام المهني لا يكتفي بمجرد نقل الحدث، بل يلتزم بمعايير النزاهة، والتحقق من المصادر، واحترام الخصوصية، والابتعاد عن الإثارة الزائفة أو الأخبار المغلوطة. إن احترام أخلاقيات المهنة يعزز من مصداقية الوسيلة الإعلامية، ويسهم في بناء ثقة الجمهور بها، وهو ما يعد عنصرا أساسيا في تماسك المجتمع وتحصينه ضد الشائعات والمغالطات.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
ثاني مسؤوليات الصحافة تتمثل في الشرح والإضاءات حول الوقائع والأحداث. فدور الصحافة لا يقتصر على نقل الوقائع فحسب، بل يتعداه إلى تحليل الأحداث وتفسيرها، وتقديم الخلفيات والسياقات التي تساعد المتلقي على الفهم العميق لما يجري من حوله. فالصحافة الناجحة تسهم في توضيح الصورة وتبسيط التعقيدات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، مما يمكن المواطن من اتخاذ مواقف مستنيرة قائمة على فهم واع وشامل.
ومن الوظائف النبيلة للصحافة، كذلك، دورها التثقيفي، حيث تسهم في رفع مستوى الوعي المجتمعي من خلال نشر المعرفة في مجالات متعددة كالصحة، والتعليم، والبيئة، والحقوق، وغيرها. كما يمكن أن تكون الصحافة شريكا أساسيا في حملات التوعية الوطنية، وتطوير مهارات الأفراد، وتحفيزهم على تبني سلوكات إيجابية تخدم مصلحة المجتمع ككل.
رابع مسؤوليات الصحافة، المساهمة في خلق رأي عام. فالصحافة والإعلام بصفة عامة هو المنبر الذي تطرح من خلاله القضايا والآراء، ما يجعله أداة فعالة في تشكيل الرأي العام. فمن خلال النقاشات المفتوحة، والبرامج الحوارية، والمقالات التحليلية، يساعد الإعلام المواطنين على التعبير عن آرائهم، وتكوين مواقف جماعية تجاه قضايا محلية أو وطنية أو حتى دولية. وهذه المشاركة الفكرية تعزز من الديمقراطية، وتدعم مبدأ الحوار والتنوع في الآراء.
من هنا يتضح الدور المحوري للصحافة في تأطير المجتمع وبناء وعيه. ومن هنا يتبين أن الصحافة شريك في التنمية، ورافعة للمعرفة، وجسر للتفاهم والحوار.
ومن هنا أيضا تظهر الحاجة إلى صحافة حرة ونزيهة. وبلوغ هذا المستوى يتطلب تمكين الصحافي من أداء مهمته بشكل سليم. والبداية تأتي من سن قوانين تفسح المجال للصحافي للبحث عن الخبر والوصول إلى المصادر وإجبار هذه المصادر بقوة القانون على مد الصحافي بالمعلومات التي يطلبها. وأيضا أن تشكل هذه القوانين ضمانة حقيقية لحماية الصحافي من أجل القيام بمهامه كاملة.
طبعا تمكين الصحافة من أدوات الاشتغال، بما فيها القانونية، تتطلب تحصينا وتنظيما يضمن احترام أخلاقيات المهنة واستمرارية التكوين...
لقد تبين من خلال ما تعيشه المهنة في بلادنا منذ سنوات، وجود تسيب في الممارسة، وفوضى وعبث.. لكن هذا الأمر يمكن لأصحاب المهنة التغلب عليه بالتنظيم الذاتي لكن في ظل وجود ترسانة قانونية تحمي حرية الصحافة وحرية التعبير معا.