على الرغم من خصوصية حراك جيل Z، إلا أن هذا الأمر لا يخرج عن دينامية متجددة في المغرب منذ سنوات، تتجلى في أشكال مختلفة من التعبير والاحتجاج والمطالبة بالتغيير.
هي دينامية لا يمكن فصلها عن الحركية الاجتماعية العامة التي يعرفها المجتمع المغربي. هذا الحراك الشبابي، ليس ظاهرة معزولة أو خارجة عن السياق، بل هو امتداد طبيعي لحيوية مجتمع يرفض الجمود، ويؤمن بأن الاهتمام بالشأن العام هو حق وواجب..
إن مطالب الشباب اليوم لا تختلف في جوهرها عن تلك التي رفعتها ساكنة المناطق المهمشة في مختلف ربوع المغرب منذ عقود. فالتطلعات واحدة: العيش بكرامة داخل وطن يضمن لمواطنيه حدا محترما من أساسيات الحياة، وعلى رأسها التعليم الجيد والصحة اللائقة. هذه المطالب، وإن اختلفت صيغة التعبير عنها أو ألوانها على مواقع التواصل الاجتماعي أو في ساحات الاحتجاج، تبقى تعبيرا صادقا عن رغبة في الانتماء لوطن عادل وفاعل.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
لكن لا بد من التأكيد على أن شكل الاحتجاجات التي خرج بها هذا الجيل تتسم بنوع من الإصرار وبرغبة شديدة في إيصال صوته وإبلاغ مطالبه، معتمدا على أدوات جديدة في التواصل والتعبئة، ومركزا على خصوصيات يطلب من الأجيال السابقة له معرفتها والإنصات الجيد لفهمها.
طبعا من خصوصيات هذا الجيل السرعة، فهم يتواصلون بسرعة تقنيات عصرهم، ويرغبون في الحصول على أجوبة بذات السرعة. مطالبهم عامة ومباشرة ورغبتهم في تحقيقها شديدة...
يمكن تبرير ما حدث من انحراف في بعض المناطق حيث تحول الأمر إلى إجرام، وهذا الأمر مرفوض تماما وتبرأ الشبان منه واعتبروه لا يساير مطالبهم وطموحاتهم وسلميتهم في الاحتجاج.
لا بد من التأكيد أنه من المنطقي أن تخرج أصوات تطالب بالتغيير، في ظل واقع يعرف الجميع مدى تعقيده، خاصة في قطاعي التعليم والصحة. كلا القطاعين يعيشان أزمات بنيوية عميقة، تزيدها السياسات المرتبكة والتجريب المستمر تعقيدا. فالإصلاحات المتتالية، التي غالبا ما تفتقر للرؤية الواضحة والاستمرارية، أفرزت وضعا لا يرضي لا المواطن ولا العاملين في هذه القطاعات.
لكن في المقابل، لا يمكن إنكار أن بعض المشاكل تتطلب وقتا وجهدا لحلها. الحلول الجذرية تحتاج إلى صبر ونفس طويل. فقطاع الصحة يرزح تحت وطأة تحديات كبيرة سواء على مستوى البنيات التحتية والتجهيزات أو على مستوى الموارد البشرية. والتغلب على هذه التحديات يتطلب الكثير من العمل وأيضا الكثير من الوقت... هذا الواقع هو ما يستوجب توضيحه للناس. والمغاربة بكل تشكيلاتهم يستطيعون الفهم والتفهم والصبر أيضا.
الأمر نفسه يتعلق بقطاع التعليم. المشاكل كثيرة ومعقدة. والسياسات العمومية التي تعنى بالمجال تتخبط وتبحث عن الحلول الملائمة، ولحد الساعة لا تتوفر على الوصفة.
غير أن صبر المغاربة مشروط بوجود الشفافية والعدل. وهو ما لا يمكن أن يتحقق ما لم تعالج المعضلات التي تؤجج الإحباط، وعلى رأسها آفات الفساد، والرشوة، والزبونية، والمحسوبية. فبدون القطع مع هذه الممارسات التي تقوض ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، لا يمكن بناء تعاقد اجتماعي جديد يقوم على الأمل والمسؤولية.
القضاء على الرشوة والفساد يجب أن يكون مدخلا أساسيا للإصلاح، على أن يتم ذلك بصرامة واضحة لا تحتمل التأويل. فمواجهة هذه الآفات ليست فقط مسؤولية الحكومة، بل مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الأحزاب السياسية، التي ينبغي أن تضطلع بأدوارها التأطيرية والاقتراحية، إلى جانب المجتمع المدني والصحافة ومختلف مؤسسات الرقابة والتقييم.
إن بناء دولة حديثة يعني حسن تقسيم الأدوار والمهام، وأن الإعلاء من شأن الكفاءة والنزاهة، وفتح المجال أمام الطاقات الشابة للمشاركة الحقيقية في بناء المستقبل.
صحيح أن المشاكل عويصة ومعقدة، لكن الأمل باقٍ. والمغرب، بتاريخ نضاله وطاقات شبابه، يملك كل المقومات ليتجاوز هذه التحديات، ويشق طريقه بثبات نحو تنمية مستدامة وعدالة اجتماعية حقيقية. فالمستقبل، رغم كل الصعوبات، سيكون أفضل.