في ظرف عشرة أيام فقط، عشنا هنا في المغرب، ما يعيشه الآخرون على امتداد سنوات وسنوات:
1- خرجت مظاهرات سلمية في البلد دعت لها جهة تسمى "جيل زيد"، طالبت بإصلاح أوضاع الصحة والتعليم في بلادنا، فقال لها المغرب كله، من ألف إلى زيد، ومن طنجة إلى لكويرة "آمين"، فقطاعا الصحة والتعليم بحاجة فعلا إلى الإصلاح في هذا البلد الأمين.
2- بعد التحضر الأول في الوقفات، خرج لنا (من الجنب) ومن بين أحشائنا ومن قلب ثنايانا جيل آخر، لا يسمى "زيد"، ولا حروف تستطيع أن تصفه، نسينا أن نربيه، ونسينا أن نعلمه، ونسينا معه كل شيء، فقرر تذكيرنا بوجوده بعنف، لأننا نصادفه يوميا، لكن نمثل دور من لا يراه، فأجبرنا إجبارا على المشاهدة الأليمة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
دمر وخرب وعاث فسادا في الأرض، وسرق ممتلكات الناس، وأحرق محلاتهم التجارية وسياراتهم البسيطة، واعتدى على إخوتنا وأبنائنا من حماة الأمن والأمان، ومرة أخرى قال المغرب كله بالصوت الواحد الموحد: لا للعنف، ولا للتخريب، ولاشيء إطلاقا مهما بلغت عدالته وشرعيته ومشروعيته يبرر هذه الأفعال، التي تحمل وصفا واحدا هو الإجرام.
3- اكتشفنا أن التلفزيون العمومي، عندما يريد... يستطيع، ولن نقول نحن هنا "عندما يأتيه الأمر.. ينفذ"، مثلما قال الآخرون.
لا، سنقول إن هذه الكوة الجميلة من الانفتاح على الناس وهموم الناس ومطالب وآمال الناس في تلفزيوننا العمومي يجب أن تستمر، وليس فقط أيام الشدة والأزمات، بل أيام الرخاء أيضا، وفي كل الأيام.
4- تأكدنا مجددا أن المشكل حقيقي لدى الأحزاب، كلها وليس بعضها، لأن الفاعل الحكومي نتاجها، ولأنه حين ووجه بمطالب معينة، هرب إلى النقار الفارغ مع هاته المطالب، أو محاولة الركوب عليها، مع أن المطلوب منه هو واحد من اثنين: إما التوفر فعلا على رد واضح وعملي وممكن التطبيق على هذه المطالب، أو إخلاء المكان لفاعل حزبي/ سياسي غيره يستطيع الرد عليها.
5- رأينا لدى الشباب أيضا من حملة المطالب بعضا من غبش على الأعين، وقليلا من الضبابية في الرؤية، وهذا أمر عادي، لأن ما وقع لم يفاجئ الأجيال المتقدمة في السن فقط، بل فاجأ أيضا من أطلقوا الفكرة، واكتشفوا أنها ربما كبرت وصارت أقوى من قدرتهم لا على تدبير أمرها، ولا على تسييرها، ولا على التحكم في مختلف مساراتها إن بالإيجاب أو بالسلب. لذلك يقع الآن ما يقع في "روم" التسيير، ولذلك يتعلم أيضا الشباب، وهم أبناء لنا وإخوة صغار، دروس احترام الاختلاف والتعدد والديمقراطية، مع أن المجتمع لم يربهم على هذا الأمر كثيرا، وعلمهم فقط طرد من لا يتفقون معه في الرأي.
6- تذكرنا مرة أخرى وجود جار شقي، دون قاف إضافية في الختام، اللهم قاف النسبة إلى أم لا نريد شتمها، لأننا في المغرب نحترم بل نقدس الأمهات، هو الجار الجزائري، ورأينا حلمه لنا بكل أنواع الشر الممكنة، فيما لم نقدم له نحن منذ أسسته فرنسا سنة 1962 إلا الخير تلو الخير، فتذكرنا مثل "اتق شر من أحسنت إليه" مجددا، وقلنا "دع خيرنا يغلب شره وكفى"، فلن يأخذ من المملكة المغربية، كالعادة، إلا الصفعات على دوام الدوام.
7- أخيرا، رأينا بعض وزرائنا يحاولون القيام بمهامهم وتحمل مسؤولياتهم، والتواصل مع الناس، والرد على الأسئلة والانتقادات، وهؤلاء يستحقون الاحترام الشديد، ولهم أجر الاجتهاد والتحرك والمحاولة. بالمقابل رأينا آخرين وهم يقفلون الهواتف، وينسون فجأة أنهم مسؤولون لدى الشعب المغربي، وهؤلاء عليهم الحضور فورا، ووضع المفاتيح، مفاتيح كل شيء، والابتعاد عن ناظرنا فورا... لأنهم بكل اختصار لا يصلحون لأي شيء.
باختصار، عشنا في المغرب في ظرف عشرة أيام فقط، ما يعيشه الآخرون في ظرف سنوات وسنوات، لذلك نقول باستمرار، ونحن نعنيها ونؤمن بها: المغرب، وكفى، أو للابتعاد عن لغة الشرق الذي يحلم بعض مرضاه لنا بالسقوط مثلهم في كل الفخاخ المكشوفة: المغرب... وصافي.
"ديما مغرب" يا قوم، ولنواصل بكل تحضر اعتناق أملنا في إصلاح بلادنا، وتركه في حال أفضل لمن سيأتون بعدنا، فهذا البلد يستحق الخير، والخير فقط.