موسم المولى إدريس الأكبر.. موسم للاقتداء بالسلف الصالح وفضاء للتواصل وتجديد فن المديح

عبدو الادريسي الاثنين 18 أغسطس 2025
No Image


ككل سنة، يشد الزوار والمحبون الرحال من مختلف أنحاء المملكة إلى مدينة زرهون، الواقعة على بعد نحو 20 كيلومتراً من مدينة مكناس، لإحياء موسم الولي الصالح والقطب الواضح، مؤسس الدولة المغربية، المولى إدريس بن عبد الله الكامل، الذي قدم من المشرق فارّاً من بطش الأمويين. وقد استقبلته القبائل المغربية وبايعته محبةً في جده المصطفى ﷺ، ليصبح بذلك أول مؤسس للدولة المغربية.

يرتبط هذا الموسم بذكرى الزيارة التي قام بها الولي الصالح سيدي عبد القادر العلمي ومريدوه إلى ضريح المولى إدريس الأكبر حباً في النبي ﷺ. وهي الزيارة التي تحوّلت إلى تقليد سنوي على نهج شيخ الزاوية العلمية سيدي قدور العلمي. ومنذ ذلك الحين، وبتنظيم من الشرفاء الشبيهيين، أصبح هذا الموسم بمثابة "حج" روحي وملتقى سنوي لمادحي ومسمّعي المغرب، تتنافس فيه المجموعات الصوفية ومريدو الزوايا بمختلف أطيافهم في تقديم أروع الوصلات والمدائح في أجواء روحانية يمتزج فيها الذكر والدعاء بصوت الجماعة، في مشهد تخشع له النفوس.

وقد انطلق موسم العلميين هذه السنة في السابع من شهر غشت، ليكون مناسبة فريدة لتبادل الأشعار والأنغام النادرة التي تغني الذاكرة السماعية المغربية. وقد شهد الموسم نجاحاً باهراً، حيث قدمت الفرق المشاركة وصلات مديح أبهرت الحاضرين وتميزت بمستوى فني رفيع. وكان لافتاً التفاعل بين المجموعات، إذ شارك بعض أعضائها في عروض فرق أخرى، مما أضفى جمالية خاصة على الأمسيات وأبرز روح الأخوة الفنية، حيث أبدعوا في أداء المديح النبوي بأسلوب مغربي أصيل.

ومن بين الأسماء البارزة التي تألقت هذا العام نذكر: شيخ المادحين الأستاذ علي الرباحي، والأستاذ الدكتور سيدي محمد الحراق، وشيخ مراكش الحاج عز الدين، وبلبل السماع الفنان سعيد بلقاضي، والشيخ محمد بنيس وأخوه الفنان فتاح بنيس، والفنان مروان حجي، والفنان إسماعيل بوجية، إلى جانب نخبة من الأصوات المغربية المتميزة. وقد أضفى حضور هذه الأسماء الوازنة على الموسم طابع التنافس الشريف، وساهم في استمرار إبراز تقاليدنا الدينية والفنية ونقلها عبر الأجيال.

وقد أعقب موسم العلميين ما يُعرف بـ "الموسم الكبير"، يوم الخميس 14 غشت، الذي شهد بدوره احتفالات دينية وصوفية وثقافية متنوعة، من تنظيم الشرفاء الشبيهيين. وتميز الموسم هذا العام بمشاركة واسعة للطوائف الصوفية، خاصة التابعة للطريقة العيساوية، حيث وفدت على مدينة زرهون طوائف من فاس ومكناس وسلا والرباط، وهي المدن المعروفة بالحفاظ على هذا الموروث الصوفي العريق. وتقدمت هذه الطوائف "الطائفة التوركية" (دار المخزن) التي تألقت كعادتها من خلال خرجتها الرسمية.

كما أقيمت عدة ليالٍ عيساوية برئاسة مقدمي الطوائف المشاركة، من بينهم السعيد برادة، عبد الصمد هادف، وعبد العالي المرابط، وغيرهم، حيث تميزت هذه الأمسيات بطابعها الروحي العميق ونالت إعجاب الحاضرين، الذين غاصوا في أجواء الحضرة العيساوية وسموها الروحي.

ولم يخل الموسم الكبير كذلك من لقاءات لفن الملحون، استمراراً لتقليد شيوخ هذا الفن الذين اعتادوا الاجتماع في دار الشريف المرحوم الحاج محمد بن راشد الشبيهي، حيث كان يلتقي عمالقة هذا الفن، أمثال الحاج الحسين التولالي، سيدي التهامي الهاروشي، عبد الكريم كنون، الحاج أحمد أكومي، دلال الحسيكة، ومولاي عبد العزيز العلوي العبدلاوي و غيرهم، رحمهم الله جميعاً. وقد أُقيمت هذه السنة سهرات للملحون في ساحة المشور وساحات أخرى، وكذا داخل بعض بيوت الشرفاء الشبيهيين، ليعيش الحاضرون دفء هذا التراث الأصيل المتجذر، لا سيما وأن القصائد المنشدة كانت في مدح الرسول ﷺ، ومعظمها من نظم كبار شعراء الملحون بالمغرب.

وقد أُسدل الستار على موسم المولى إدريس الأكبر لهذه السنة ليلةةالسبة 16 من شهر غست، في انتظار الموسم القادم، حيث يظل هذا الموعد الصوفي بمثابة مهرجان سنوي للذكر والمديح، تتشوق إليه ساكنة المدينة لما يحمله من نفحات روحية وفرص اقتصادية، إذ تنتعش فيه الحركة التجارية، من دور الضيافة إلى المطاعم والمقاهي. كما يعد الموسم فسحة للزوار والمحبين للسمو الروحي والمتعة الفنية التي تربط الحاضر بمجد الماضي الأصيل.