أنفاق حماس.. اتسعت لجميع الاجندات وضاقت على أهل غزة

اسماعيل واحي السبت 26 يوليو 2025
1200x680_sc_068-aa-01042023-1136856
1200x680_sc_068-aa-01042023-1136856

فوق أنقاض غزة، تساقطت الأقنعة والشعارات الجوفاء، كاشفة تغول الخيانة، وتوسدها ظهر القضية الفلسطينية، حتى لم يعد الغزاويون يعرفون عدوهم من "صديقهم"، ولا الجلاد من الواعظ، ولا من يقتلهم بقذيفة دبابة ومن يدفعهم إلى الهلاك بخطاب شعبوي ملغوم.

سقطت ورقة التوت عن منظومة الكذب التي تدعي المقاومة، ولم تعد الحقيقة تخفى على أحد: من باع غزة هم الذين زعموا أنهم يحكمونها باسم الدين، وهم ذاتهم الذين سلموها للمحرقة مقابل مقعد في طاولة التفاوض الإيراني أو فتات دعم قطري مشروط.

في فجر السابع من أكتوبر 2023، تحركت حماس من داخل أنفاقها العميقة في عملية مجهولة الأهداف معروفة عواقبها، بدون اذن ولا علم الغزاويين الذين يدفعون اليوم ثمنها بدمائهم وجوعهم وتشردهم، بعد الزج بهم في مغامرة انتحارية لم تراع أبسط شروط الاستعداد أو التأمين اللوجيستي، وكانت تجسيدا فاضحا لتحريك أدوات إقليمية بأجندة خارجية، لم تكن غايتها تحريك الجمود السياسي الذي أصاب القضية، وانما كتابة فصل جديد من فصول الاجندات الإقليمية بمحبرة دماء الأبرياء، وجعلهم وقودا للعبة شطرنج تديرها طهران والدوحة وأنقرة من الخلف، وتسوقها قناة الجزيرة على أنها نصر وهمي.

أسئلة عديدة بقيت طي الكتمان، أصحابها يخافون من القتل المعنوي والتنكيل الافتراضي الذي تمارسه آلة الدعاية الاسلاموية من قنوات وصفحات وذباب الكتروني، لكن الوقت آن لطرحها بكل جرأة ومسؤولية: كيف يحق لتنظيم يدعي المقاومة أن يبني مدينة من الأنفاق تحمي سلاحه ومقاتليه، دون أن يحفر لأطفاله ونسائه ملجأً واحدا؟ كيف لحركة ترفع راية "التحرير" أن تجهز ترسانتها بالكامل ولا تجهز مخازن تموين غذائي أو دوائي لأبناء شعبها؟ أليس هذا أكبر دليل على أن الإنسان في مشروعهم لا قيمة له، وأن الموت الجماعي ما هو إلا أداة ضغط لتحقيق مكاسب سلطوية على حساب دماء وكرامة أصحاب القضية؟

لقد زُجّ بقطاع غزة عنوة في جحيم حرب مفتوحة مع جيش يمتلك أقوى آلة تدميرية في المنطقة، دون غطاء سياسي، ودون دعم فعلي، ودون رؤية واضحة لما بعد الضربة، في المقابل، كانت طهران قد زودت حماس بما يكفي من السلاح لتصمد، لكنها لم ترسل علبة حليب لأطفال غزة، ولا ضمادة جراحٍ واحدة للجرحى، لأنها لا ترى في فلسطين إلا ساحة لخدمة أجنداتها الجيوسياسية وللمزايدة بأشلاء شعبها لتعزيز موقفها الدولي.

أما القناة القطرية التي نصبت نفسها منبرا "للحرية" والديمقراطية، فلم تتوقف عن ترويج الأكاذيب، واستغلال صور الأطفال تحت الأنقاض لتحريض الشارع العربي ضد الأنظمة الرسمية، ليس انتصارا للفلسطينيين، وانما فقط لتمهيد طريق "الإخوان" نحو الحكم، فالجزيرة ومن على شاكلتها لا ترى في الفلسطيني سوى ورقة إعلامية، تبكي عليه في نشراتها وتبيعه في دهاليز السياسة.

إن المقاومة الحقيقية، ليست تلك التي تنفذ عمليات انتحارية دون غطاء شعبي أو رؤية سياسية، بل هي تلك التي تحمي الإنسان أولا، ثم الأرض، هي التي تبني المدارس قبل الخنادق، وتحفر الملاجئ قبل الأنفاق، وتفتح الحوار قبل أن تطلق النار.

وأي مقاومة هذه التي تدار من طهران وتمول من الدوحة وتصفق لها أنقرة؟  صدقوني قد تكون أي شيء ما عدى أن تكون حركة مقاومة، قد تكون شركة مساهمة متعددة الجنسيات، رأس مالها دماء الأبرياء، ومردودها هو تفاوض لصالح الممولين، لا المحرومين، هذا ان لم نقل أنها كيان خائن، خطف القضية الفلسطينية منذ أن أخونها، واستبدل بعدها الإنساني الأممي بآخر ايديولوجي مغلق، واختزلها في  "شعارات" تروجها قنوات الظلام، وصكوك تباع في صفقات الغاز والسلاح بين عواصم الشرق الأوسط.

ما يجري في غزة اليوم، ليس فقط نتيجة لصمت العالم، بل نتيجة لخيانات الداخل، للذين راهنوا على حلفاء خارج الجغرافيا والقانون الدولي، واستعملوا دماء الشعب كوقود لمعادلات سياسية قذرة، لم يحرروا شبرا، بل أضاعوا كل ما حققته القضية من مكتسبات طيلة عقود من الزمن، وجروا على أهلها الويلات والدمار والحصار، ثم انسحبوا إلى غرف فنادقهم ليعدوا مؤتمرات "النصر" الوهمي.

من يريد إنقاذ ما تبقى من فلسطين، عليه ان يبدأ بتحريرها من خونة الداخل الفلسطيني، من وكلاء الأجندات، من التنظيمات المسلحة التي حولتها إلى سلعة قابلة للتوظيف في السوق الجيوسياسي، من الذين اختطفوا المقاومة وحولوها إلى شعار تجاري لا علاقة له بالتحرير.