يتساءل الإنسان عن طبيعة اللعنة الإلهية التي ألمت بهشام جيراندو كي يعتبر الاعتناء بالنساء الأرامل والمتقاعدين ممن بلغوا من الكبر عتيا ومساعدتهم على إدراك فضيلة الحج سبَّة في حق الإنسان الطبيعي، فبالأحرى أن يكون هذا الإنسان مؤتمنا على تدبير مؤسسة قوامها أكثر من 100 ألف عنصر يتوزعون بين الموظفين العاملين والمتقاعدين، فضلا عن مئات الآلاف من عوائلهم؟.
فبعد إدانته للمرة الثانية في ظرف شهر واحد من قبل القضاء الكندي من أجل تورطه في التشهير وتشويه الحياة الخاصة لمواطنين مغاربة، اختار هشام جيراندو أن يزيد على طين إجرامه المادي، بلَّة "التمسخيط" والكفر بأبسط مبادئ التكافل الإنساني والتضامن والاعتناء بالجانب الروحي والاجتماعي لمتقاعدي الأمن الوطني وأراملهم الذين أفنوا حياتهم في خدمة قضايا أمن المواطنين.
ومرد هذا الجهر "بالتمسخيط المقنع ب "تاحيماريت" هو الفيديو المقتضب الأخير لهشام جيراندو، الذي احتج فيه على حرص المدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف حموشي على الاعتناء بمتقاعدي وأرامل الشرطة وتمكينهم من أداء فريضة الحج، معتبرا الأمر ينطوي على تبذير للمال العام!
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
وبعيدا عن قدسية أداء مناسك الحج لكل مسلم بلغ من الكبر عتيا وتقديم المغربي لهذه الفريضة على أساسيات الحياة، هل يعلم جيراندو النصاب أن استفادة متقاعدي وأرامل موظفي الشرطة من الدعم لأداء هذه الفريضة ليس منَّة ولا مكرمة ذاتية، بل هو جزء من استغلال أموال مساهمات المستفيدين في صناديق العمل الاجتماعي التي تديرها مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني.
وهنا نفتح القوس لنشرح للقراء وليس لجيراندو النصاب، أن المستفيدين من مناسك الحج بالمؤسسة الأمنية هم نتاج قرعة سنوية يتم تنظيمها بشكل علني ومفتوح بين منخرطي مؤسسة محمد السادس، على أن يتم اقتطاع ميزانية هذه الخدمة الاجتماعية من ميزانية المؤسسة التي يشرف عليها مجلس إداري خاضع لضوابط صارمة في صرف أموال المنخرطين ومساهماتهم.
وفوق هذا أيضا، فتوفير الإمكانيات المادية لفائدة الأرامل والمتقاعدين تندرج في صلب آلية عمل التضامن الاجتماعي والصحي في العالم بأسره، وذلك عبر تداول الخدمات الاجتماعية بين الموظفين النشطين والمتقاعدين الذين يتم صرف مدخراتهم المالية وفق قاعدة الاستفادة للجميع، ولا علاقة لهذه الآلية بالميزانيات أو المال العام كما يتوهم جيراندو أو من يهمسون له في آذانه.
وإذا ما ساعدت "تاحيماريت" جيراندو على استيعاب هذه الحقيقة التي يجهلها أو يتجاهلها، فسوف يفهم بالتبعية أن المدير العام للأمن الوطني لا يمكنه أن يمكِّن أفراد أسرته من أداء مناسك الحج باستعمال أموال صناديق التضامن بين موظفي الشرطة، ببساطة لأن هذه الأموال خاصة حصريا بمنخرطي مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية، وتخضع في صرفها لمراقبة دقيقة من قبل مصالح وزارة الاقتصاد والمالية المختصة.
وبعيدا عن المنطق والحقيقة والواقع الذي لا يهم جيراندو كثيرا، فقد كان من الأولى على هذا النصاب أن يختار على الأقل موضوعا أكثر إثارة يحتمل الكذب والتدليس لكي يهاجم المؤسسة الأمنية، لا أن يسقط في وحل التدليس من باب الاتجار بخدمة إنسانية روحانية ودينية تشكل مطلب كل مسلم ومسلمة.
فأن تسهل المؤسسات عموما والمصالح الأمنية خصوصا أداء مناسك الحج لموظفيها العاملين والمتقاعدين وأراملهم باستعمال أموال صناديق المصالح الاجتماعية هو مبعث فخر وتنويه داخل هذه المؤسسات وخارجها، وهو مبتغى كل منخرط أفنى حياته في خدمة الصالح العام، وهو الأمر الذي لن يفهمه جيراندو ومن معه ممن ألفوا الاسترزاق وابتزاز الآخرين ماديا ومعنويا، ولم يعرفوا يوم معنى قيم العمل الشريف والتضامن الوظيفي والإنساني.
يبقى فقط أن نشير إلى ملاحظة بسيطة يمكن لجيراندو أن يضيفها في الفيديو القادم، مفادها أن متقاعدي وأرامل الأمن الوطني لا يستفيدون فقط من دعم أداء مناسك الحج، بل يستفيدون من منح مالية خلال المناسبات الدينية وفي الحالات التي يحتاجون فيها لدعم استثنائي بسبب المرض أو العجز أو أي طارئ حياتي.