"‎ما سبق" يقاوم التغيير‎! ‎

المختار لغزيوي الاثنين 21 يوليو 2025
téléchargement (54)
téléchargement (54)

مع الاحترام التام والكامل، والاختياري، أي غير القسري ولا الإجباري، لمعالي وزراء القطاع ‏السابقين، ومع التبجيل والتقدير، وكل الامتنان للخدمات الجليلة التي قدمها للميدان خبراء الزمن ‏السابق، من مناظرة البصري ذات بداية التسعينيات، حتى كل الكتب البيضاء، والأخرى ذات ‏الألوان حول المهنة وواقعها والآفاق، إلا أن إبل الصحافة لم تعد تقبل أن تورد بالشكل الفارط‎. ‎

أقول هذا الكلام، والعبد لله واحد من أوفى الناس لكل ما عبرناه من ماض مجيد أو كالمجيد في ‏ميداننا، ومن أصدق العباد في تقدير أدوار كل من علمنا حرفا، وكل من كان لنا أستاذا ذات يوم، ‏وكل من علقت في رقابنا ديونه وأفضاله، لكننا فعلا أبناء واقع صحافي جديد ومغاير تماما لما ‏سبق‎. ‎

الكثيرون من السابقين يعجزون تماما عن استيعاب هذه المسلمة، ويرفضون تصديق هذه ‏البديهية، لكنها الحقيقة وأيم الله‎. ‎

زمن بيع الجرائد للرقم العجيب الذي كان أستاذنا وصديقنا الجميل محمد برادة، مدير سابريس ‏سابقا، (350 ألف نسخة جميعكم) يقوله لنا جميعا، ويعدنا بأنه سيرتفع إلى رقم المليون، وبعدها ‏سنحقق حلم "جريدة لكل مواطن"، هو زمن مضى وانقضى‎. ‎

اليوم الناس لا تقرأ الورقي لأن لدينا جهازا بين يديها يسمى الهاتف النقال يضم ما ينشره ‏الورقي، وما تنشره بقية الحوامل، مع فرق كبير جدا، هو أن الناس تعتبر الورقي جديا وذا ‏مصداقية (على الأقل بالنسبة للعناوين التي اشتغلت لسنوات على حماية مصداقيتها ومهنيتها)، ‏لذلك لا يمكن أن نستكين للحل السهل: تسليم مهنتنا (على حد تعبير زميلنا خالد الحري) للساقطين ‏سهوا بالهواتف عليها، وبالكثير من اللايفات المفتقدة للحياة المهنية الحقيقية‎. ‎

لا بد من حماية ما تبقى من مهنة تدافع ــ قبل جيبها ــ عن الوطن، لذلك لا مفر من تقوية ‏المؤسسات الإعلامية التي بقيت على قيد الحياة، ولن نقول الكبرى لئلا يغضب الصغار مجددا‎. ‎

سنقول فقط: يجب الرهان على مؤسسات تشغل أكبر عدد من اليد العاملة في القطاع، ومنحها ‏فرصة تطوير نفسها لكي تصبح قادرة على ممارسة (الإعلام الجديد) بحوامله الحالية والقادمة‎. ‎

ولا تعتقدوا أن تسجيل "لايف" ميت في اليوم، أو نشر عشرين تدوينة وتغريدة في مواقع ‏التواصل، أو تسجيل "بودكاست" أسبوعي هو الإعلام الجديد في عالم اليوم‎. ‎

هذه كلها تمظهرات تبدو كالجديدة لإعلام لازال عالقا في فخ القديم، وكلما ظهرت أمامه ثغرة ‏تغيير حقيقية يلجأ خائفا إلى السابقين لكي يقولوا له بنفس الخوف "نحن نرفض التغيير، ونريد ‏بقاء الوضع على ما هو عليه‎". ‎

هذا الخوف المرضي دليل آخر من الأدلة المفجعة على حالة الضعف التي يمر منها مشهدنا ‏الإعلامي، والتي يلزمها علاج حقيقي بالصدمة لكي نشفى منها‎. ‎

ومجددا، ومع الاحترام التام لمعالي السابقين ولكوكبة الخبراء وكبار المتخصصين والأكاديميين ‏والأساتذة المبجلين، إلا أن الكلام الكثير والكبير لا يوافقه على أرض الميدان إلا فعل قليل، بل ‏وأحيانا لا يرافقه أي فعل‎. ‎

فقط، هي الجعجعة الكبرى أمام انعدام الطحين. لذلك لا بد من حل‎. ‎

سيسأل السائل: ومن كلفكم أنتم بأن تكونوا الحل؟‎ ‎

هذا سؤال وجيه له إجابتان فقط: الأولى هي أننا بقينا في الميدان نشتغل، ولم نهرب إلى أي حل ‏سهل وجبان، بل وقفنا وقاومنا، وعانينا فعلا من أجل البقاء، وبقينا رغم أن الكل تنبأ لنا بالفناء، ‏وهذه واحدة تحسب لنا وإن رفض القوم تقديم شهادة الصدق عنها، لأغراض كثيرة في نفس كل ‏يعقوب زميل لنا في المجال‎.‎

أما ثاني الأجوبة فهو أن الميدان، بحمد الله، مفتوح أمام الجميع، ومجال الإصلاح هذا يتطلب ‏تقديم كل الاقتراحات، العاقل منها والبعيد عن الذكاء، والمفروض أن نتحاور وأن نتدافع وأن ‏يدافع كل منا عن تصوراته دون نحيب لا يحل أي إشكال، ودون إقحام الحمقى بيننا في النقاش ‏ومن رفع عنهم القلم وتعودنا منهم العبث الذي يهرب منه العقلاء، وبعدها سيكون لكل حادث ‏حديث، وسنرى إن كانت وصفتنا أقدر على إنقاذ هذا الميدان، أم أن وصفات السابقين لازالت ‏تستطيع تحمل مزيد من "تسخان الماكلة البايتة" دون خوف من تسمم أخير ونهائي يقتل المجال ‏مرة أخرى وأخيرة‎.‎

مجددا نقولها بكل صدق الكون: هذه لحظة مفصلية جديدة في تاريخ هذه المهنة، نتمنى ألا يقتلها ‏السابقون بنفس الرصاصات التي قتلت اللحظات المفصلية الأخرى‎. ‎

نتمنى ذلك، ونعتقد أنه سيتم، فالرصاصات القديمة نفذت، أو تلاشت قوة بارودها، وأصبحت ‏مجرد "فرشي ما كيقتلشي"، وهذا الميدان اليوم في ظل التحديات الحقيقية والكبرى، التي تنتظر ‏الوطن، لا يقبل إلا الرصاص الحي القادر فعلا على الدفاع عن الحرفة وقبلها عن هذا الوطن‎. ‎