لغزيوي يكتب: لطميات العشاء الأخير !

الاثنين 14 يوليو 2025
IMG_4737
IMG_4737

و إنا نسأل أنفسنا بكل صدق منذ أيام "أهو دفاع عن المهنة؟ أم هو دفاع عن مغانمها ومناصبها وبقية المنافع؟". 

فإن كان دفاعا عنها لوجهها، فاللهم بارك، وزد في ذلك. أما إذا كانت كل هذه الحمية لأجل العابر من المكاسب، فإن بعضا من الكلام لابد أن يقال. 

ذلك أن حجم الهجوم كبير، والمشاركون فيه من "الحلفاء" قادمون من مشارب مختلفة ومتناقضة ومتضاربة، وبعضهم سبق له وأنشد من قريض الهجاء في البعض الآخر ما لم يستطع الإمام أن يقوله في المدام، والقصد طبعا مالك والخمر وماقال فيه. لذلك لابد من طرح السؤال "ياك آودي لاباس؟"

ولهذا السؤال البسيط جواب أبسط: إنهم يريدون بقاء الوضع على ماهو عليه، لا أقل ولا أكثر. 

ولو عدتم لما قيل عن الفطام وصعوبته منذ القديم، لفهمتم موقفهم اليوم، ولعرفتم صعوبة نزع "الحلمة" من فم الرضيع، لكنها الضرورة وتقدم السن وتطورات النشأة والنمو، ولابد مما ليس منه بد. 

نعم، يشق على من أمضى العمر كله مستفيدا أن يرى قواعد اللعب وهي تتغير، ويصعب عليه الاقتناع أن هناك أشخاصا قد يضعون المصلحة العامة فوق اعتبار المصلحة الصغرى والأنانية، ويشق عليه أن يصدق وجود (أغبياء) من هذا النوع يشتغلون لصالح الوطن والمهنة، ولايريدون إلا إصلاح بعض مما أفسد هذا العطار الأناني، ولكن لامفر من تقبل المسألة لأن "هاد الشي اللي عطا الله والسوق". 

ويوم تحولت دفة الدعم العمومي من جيب "مول الشكارة" الذي لم يضمن شيئا (إلا من رحم ربك وسلم من الجوع القديم) إلى حسابات شغيلة القطاع مباشرة غضب العطارون السابقون، وبكوا واشتكوا، وقالوا إنهم يريدون فقط عودة زمن الدعم المعطى حسب رأس الزبون، بورقه الصقيل المزعوم، وأعداده الخاصة والاستثنائية الكاذبة، وبالنفخ المفضوح في أرقام المبيعات الزائفة، (واسألوا أهل المطابع عن تزوير الأرقام  إن كنتم لاتعلمون)، وبصفقات الرقمنة والتأثيث والتحديث وصنع الاستوديوهات التي لم تصلح لشيء، وباقتناء الكاميرات والميكروفونات التي ضلت طريقها إلى أمكنة أخرى، وبتنظيم الأيام الدراسية الفارغة، أيام (واقع وآفاق) الشهيرة والمضحكة. 

حينها فهم القطاع أن شيئا ما قد تحرك، وأن ماقبل كوفيد لن يكون شبيها بما سيلي الوباء، وكذلك كان. 

لذلك، ليس عجبا أن يلتئم الجمع في عشاء أخير من أجل وصلة اللطم النهائية حدادا على كل ماضاع، وبكاءا غزيرا على مغانم الزمن السابق. 

ولو كان البكاء لأجل المهنة، نكررها، للطمنا الخدود، ولشققنا الجيوب معهم تضامنا ولقلنا "والنعم، يالقوم المروءة الصادقين". لكننا نرتاب، لأننا نعرف جيدا "البير وغطاه"، ونكاد نقول لهم إنه من الصعب خداعنا مجددا هذه المرة. 

والأجمل في الحكاية كلها هو أن شغيلة القطاع هي أيضا لم تعد قابلة للخديعة من جديد. فقد رأتهم منذ بداية الخليقة متربعين على كل شيء، وهي تفهم أن كل "لطميات" الزمن الحالي هي فقط ندب لما ضاع من المستفيدين الأبديين من كل دورات هذا الإعلام المنكوب بأهله أو ببعض أهله، أولا وأخيرا وآخرا وفي المنتصف. 

لذلك، الكلام كله اليوم هو مع هاته الشغيلة التي لم تستفد يوما، والتي ظلت تتفرج على "فالس" تناوبهم عليها، حتى ملت الركوب ومحترفيه، وقالت "لم أعد أقوى على حمل المزيد منكم أيها الراكبون المتناوبون". 

هذه الشغيلة يجب أن تتمسك بحقها في أن يكون لها صوتها الخاص بها، وأن تمثل نفسها ومهنتها دون وصاية من أحد، ويحق لها، بل يجب عليها، ولو مرة واحدة في العمر أن تفرض صوتها حكما وفيصلا، وأن تقول لمن جربوا فيها  كل أنواع المناظرات والتوصيات والمنتديات واللقاءات والأيام الدراسية: "فشلتم، حضرات الفاشلين، شكر الله سعيكم، وجعلتم إعلامنا بهذا الشكل البئيس والمنحط بعد كل سنوات التجريب الهاوي من طرفكم فيه هذه، فاتركوا لنا نحن أن نحاول إصلاح ما أفسدتم. إسمحوا لنا بالمحاولة، فإن أخطأنا فيها، فستكون الأولى، ولن تقارن بخطاياكم الكثيرة التي ابتدأت ذات زمن بعيد، ولم تنته إلى الآن".

هل هو طلب صعب حقا إلى حد إخراجهم جميعا من الجحور دفعة واحدة للدفاع عن بقاء الوضع على ماهو عليه؟ 

لننتظر، ولنتابع، وسنعرف الجواب النهائي لاحقا…