شهدت قاعة الجلسات التي تحتضن واحدة من أشهر المحاكمات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، اليوم الخميس، فصلا جديدا من محاكمة مثيرة يتابع فيها عبد النبي بعيوي، الرئيس السابق لجهة الشرق، وسعيد الناصري، رئيس نادي الوداد السابق والرئيس السابق لمجلس عمالة الدارالبيضاء، إلى جانب متعمين آخرين، في ما بات يُعرف إعلاميًا بملف (إسكوبار الصحراء)، ودفي إشارة إلى الحاج أحمد بنبراهيم، الملقب بـ"المالي"، والمتابع على رأس شبكة دولية متخصصة في تهريب المخدرات وتبييض الأموال.
الجلسة، التي امتدت لساعات، تركزت حول مواصلة استجواب المتهم عبد النبي بعيوي، الذي واجه سلسلة من التهم المترتبة عن تصريحات “المالي”، مفجر متابعة المتهمين في هذه الشبكة، بعد أن ربط البعيوي منذ سنة 2013 علاقات بأعضاء الشبكة، تجسدت في اقتراحات لشراء شقق، خاصة خلال الفترة التي شهدت ضبط كميات ضخمة من المخدرات بالمغرب.
بعيوي: “متربيناش على الحرام”
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
أمام أسئلة المحكمة، بدا بعيوي في لحظات كثيرة متأثرًا، لدرجة أنه لم يتمالك دموعه، نافيا كل ما ورد على لسان "المالي"، ومعتبرًا إياه صاحب "مزاعم متناقضة ولا أساس لها". وأكد أنه لا توجد أدلة مادية تربطه بعمليات التهريب، متسائلًا: “فين هي المكالمات اللي كا تثبت هاد العلاقة إذا كنت فعلا مشرف على تهريب المخدرات؟”.
بعيوي الذي تحدث بانفعال عن والدته، قائلا: "أنا اليوم معتقل بسبب محاضر متناقضة... أمي قالت لي واش وكلتوني الحرام؟ وبكيت غير جوج مرات فحياتي: مرة على والدي ومرة على كلامها اللي هزني من الأرض".
ملفات ثقيلة ووقائع إضافية
المحكمة عرضت على بعيوي وقائع إضافية، من بينها اتهامات بالتنسيق مع سعيد الناصري وبلقاسم لتهريب كميات جديدة من المخدرات وصلت إلى 15 طنا و10 أطنان، ونقل العائدات المالية إلى الجزائر عبر دراجات نارية ثم إلى فرنسا. إلا أن بعيوي فند هذه الرواية مجددا، معتبرا أن أسماء الصرافين الذين ذكرهم "المالي" تبيّن لاحقا أنهم غير معنيين بتبييض الأموال، بل إن أحدهم يعمل موثقا وليس صرافا.
زواج مثير..!
جانب آخر من الجلسة خُصّص للتدقيق في زواج سابق جمع بين بعيوي وسيدة تُدعى سامية، وهي علاقة أثارت الكثير من الأسئلة القانونية، لا سيما بعدما ثبت من خلال الوثائق أن عقد الزواج أبرم بمدينة برشيد رغم أن الطرفين يقيمان بالدار البيضاء.
وقد أثار القاضي نقطة حساسة تتعلق بشهادة العزوبة، حيث كشف محضر تحر صادر عن الشرطة القضائية أن الشهادة أُنجزت بوثيقة غير معتمدة رسميا من مقاطعة الفداء، وأن الخاتم الدائري المستعمل فيها "لم يسبق استعماله قط". بل الأكثر من ذلك، أن عون السلطة الذي يفترض أنه تولى المصادقة على الوثيقة، أنكر بشكل قاطع أي علاقة له بهذه المقاطعة.
وفي ردّه، حاول بعيوي تبرير الوضع موضحا أنه لم يتدبّر تفاصيل الوثائق، وقال: "الملف كان واجد، وقّعت وصافي"، مشيرا إلى أن زوجته والخادمة وسامية نفسها أشرفن على ترتيبات الزواج.
نزاعات الماضي
ومن ضمن المفاجآت التي فجرتها الجلسة، استحضار شهادة جميلة البطيوي، التي تحدثت عن علاقة شخصية قديمة متوترة ربطتها ببعيوي، و"نزاع سابق" ألقت بظلاله على الملف، في حين تم التطرق كذلك لشكاية تقدّمت بها سامية، لكنها سرعان ما تراجعت عنها “حرصًا على مستقبل ابنها”، في إشارة ضمنية إلى ضغوط أو تدخلات مؤثرة في القضية.
النيابة تطالب بتحقيقات موسعة
وفي ختام الجلسة، طالبت النيابة العامة بإجراء تحريات معمقة بخصوص الأسماء الواردة في المحاضر، وتوسيع دائرة التحقيق بخصوص وقائع تهريب 10 و15 طنا من المخدرات، مؤكدة أن نتائج التحقيقات الحالية لم تُفضِ إلى نتائج ملموسة، ما يستوجب المزيد من التحري والتدقيق.
ويظهر أن ملف “إسكوبار الصحراء” لا يزال يشهد تطورات متشعبة، حيث تتداخل فيه العلاقات الشخصية، والتصريحات المتضاربة، والوثائق المشبوهة، ما يجعل من هذه المحاكمة واحدة من أكثر الملفات تعقيدا في الساحة القضائية بالمغرب خلال السنوات الأخيرة.