محور الرباط-نواكشوط يعيد رسم خريطة التوازنات الإقليمية.. هكذا نجحت الدبلوماسية العسكرية في دق آخر مسمار في نعش البوليساريو بإغلاق منفذ البريكة الموريتاني

الرباط : إسماعيل واحي الثلاثاء 10 يونيو 2025
Picsart_25-06-10_03-37-00-727
Picsart_25-06-10_03-37-00-727

في تحول إقليمي بالغ الدلالة، رفض الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني بشكل قاطع، طلبا تقدمت به جبهة "البوليساريو" الإنفصالية، للتراجع عن قرار إغلاق منطقة "البريكة" الحدودية مع الجزائر.

قرار سيادي صدم النظام العسكري في الجارة الشرقية، وأنهى فعليا عقودا من التغاضي عن منفذ استراتيجي شكل لعقود طويلة ثغرة أمنية، لطالما ارتكزت عليها الجبهة الانفصالية للإلتفاف على الحزام الأمني الدفاعي، وللتسلل الى التراب الموريتاني وتنفيذ أعمال عدائية، بدون وضع الجزائر في وضعية الإدانة تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، في حال شنت هجماتها الإرهابية على المغرب انطلاقا من التراب الجزائري.

الخطوة الموريتانية، تعد مكسبا استراتيجيا للمغرب، سيغير الكثير في الخريطة العسكرية للمنطقة، وسيضع الجزائر أمام خيارات صعبة، قد تصل حد الإصطدام بالقانون الدولي. هذا القرار الإغلاق لم يكن معزولا، بل جاء ضمن سياق تصاعدي لمسار تنسيق مغربي–موريتاني متقدم، يكتسي أبعادا أمنية، اقتصادية، وسياسية، ويبشر بتحول جذري في موقف نواكشوط من ملف الصحراء المغربية، قد يتوج قريبا بإعلان دعم رسمي للمقترح المغربي للحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي للنزاع المفتعل.

لطالما مثلت منطقة "البريكة" معبرا رئيسيًا للبوليساريو نحو الأراضي المغربية، كما شكلت حلقة ضمن مسارات تهديد استراتيجي امتدت إلى داخل التراب الموريتاني، كيف لا وهي التي تسلل منها مؤسس الجبهة الانفصالية، الوالي مصطفى السيد، في سبعينات القرن الماضي، على رأس فيلق من مسلحي البوليساريو، اتجاه العاصمة نواكشوط حيث لقي مصرعه على أسوارها.

قرار موريتانيا بإغلاق هذه المنطقة نهائيا يعكس تحولا في العقيدة الأمنية الموريتانية، واستيعابا تاما لخطر استمرار وجود هذه الثغرات المفتوحة أمام ميليشيا مسلحة، تتغذى على الدعم الجزائري وتتبنى منطق زعزعة الاستقرار بدل احترام السيادة، وتصنيفها ككيان إرهابي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بات مسألة وقت.

بالتزامن مع قرار إغلاق "البريكة"، زار وفد رفيع من المكتب الثاني لأركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية المغربية قيادة الاستخبارات والأمن العسكري الموريتاني، الزيارة التي تمت في نواكشوط حملت أكثر من مجرد دلالات رمزية، وأظهرت أن الدبلوماسية العسكرية المغربية باتت تؤتي ثمارها الإقليمية، عبر تفعيل أدوات التعاون الاستخباراتي والميداني لتطويق التهديدات العابرة للحدود، فالمغرب وموريتانيا في خندق واحد، على الخط الأمامي في مواجهة الخطر الإرهابي المتصاعد في منطقة الساحل، الذي بات أكثر تربصا بالحدود الموريتاني يوما بعد يوم.

هذا التحرك يبرز أن الرباط لا تكتفي بالمسار الدبلوماسي الكلاسيكي، بل تعتمد سياسة أمنية وعسكرية موازية، تضع الاستقرار الإقليمي ضمن أولوياتها، وتقدم نفسها حليفا موثوقا لجيرانها، في مواجهة التحديات المشتركة، من التطرف إلى الانفصال المسلح.

وإذا كانت المؤشرات الأمنية والعسكرية، تتزايد حول أن موريتانيا بصدد بلورة موقف استراتيجي واضح من النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، فإن زيارة الرئيس الغزواني إلى المغرب في دجنبر 2024، واستقباله من طرف جلالة الملك محمد السادس، كانت لحظة فاصلة. بلاغ الديوان الملكي الصادر آنذاك أشار إلى تقارب غير مسبوق في الرؤى، وتأكيد على الشراكة في مشاريع استراتيجية، أبرزها أنبوب الغاز الأطلسي ومبادرة المغرب لربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي، مما يؤكد أن المغرب يراهن على الشراكات الاقتصادية، لتدعم المسار الأمني، والدبلوماسية السياسية والعسكرية، في تحفيز الموقف الرسمي الموريتاني للإنحياز الى الشرعية الدولية، التي يمثلها المغرب، وتجمع على وجاهة مقترح الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد، لتسوية دائمة للنزاع المفتعل حول مغربية الصحراء.

ومن أبرز تجليات هذا التحول، المصادقة الرسمية من وزارة الداخلية الموريتانية على افتتاح معبر "أمغالة" الدولي، الذي يربط مدينة السمارة المغربية بمدينة بير أمكرين الموريتانية. هذا القرار التاريخي لا يحمل فقط قيمة اقتصادية، بل يعد صفعة جيوسياسية على وجه النظام الجزائري الذي سعى طيلة عقود لتكريس عزلة جغرافية على الأقاليم الجنوبية للمملكة.

لذلك فإن التكامل الاقتصادي، يمهد لتكامل سياسي في العلاقات المغربية–الموريتانية، خصوصا وأنها لم تعد محصورة في الإطار البروتوكولي، بل شهدت دينامية غير مسبوقة على المستويات الاقتصادية والتنمية، ولا أدل على ذلك من اتفاقية الطاقة الثلاثية التي وقعتها المملكة مع موريتانيا والسنغال، لخلق ربط كهربائي شامل في غرب إفريقيا، ومذكرة التفاهم في الطاقات المتجددة التي وقعتها الرباط ونواكشوط مطلع 2024، لتوحيد أنظمة الطاقة وتعميم الكهرباء على القرى. علاوة على اتفاقية تأسيس بورصة نواكشوط بدعم تقني من بورصة الدار البيضاء، في أبريل 2025، لتطوير القطاع المالي الموريتاني.

كل هذه المشاريع لا تمثل فقط شراكات تنموية، بل تشكل إطارا لاندماج استراتيجي يؤسس لتحالف مغربي-موريتاني يحرر نواكشوط من ضغوط الجزائر، ويعزز استقلالية قرارها السيادي، ولعل أولى بشائره هو إغلاق منطقة "البريكة"، وتحويلها إلى مقبرة الأطماع الانفصالية، وهو ما يمكن اعتباره لحظة فاصلة في التموقع الإقليمي لموريتانيا فالقرار جاء كنتاج لتقاطع عوامل عدة، أهمها التحول في الموقف السياسي الموريتاني بفضل تنامي التنسيق العسكري والاستخباراتي مع المغرب، والذي فتح المجال أمام تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي.

وبذلك، فإن هذا القرار لا يمثل فقط نهاية نقطة عبور ميليشيات البوليساريو الى التراب الموريتاني، واتخاذه قاعدة متقدمة لمهاجمة المغرب، بل إنه اعلان رسمي عن تراجع النفوذ الجزائري التقليدي داخل مؤسسات الدولة الموريتانية، وبداية لمرحلة جديدة من الاصطفاف بجانب الشرعية الدولية والتاريخية التي يمثلها المغرب، والتي تضع مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كحل وحيد، عادل ودائم لإنهاء النزاع المفتعل.

هذه الصفعة الموجعة التي تلقتها الجزائر على الخدين، تؤكد أن النظام العسكري بات يفقد تدريجيًا ما تبقى له من أوراق ضغط على المغرب في محيطه الحيوي، فكل المؤشرات المتلاحقة تدل على أن إعلان نواكشوط دعمها لمغربية الصحراء لم يعد سوى مسألة وقت، في خطوة ستحدث تحولا استراتيجيا في معادلة النزاع، لتدق آخر مسمار في نعش البوليساريو، وأطروحة الإنفصال، خصوصا وأن الأمم المتحدة تصنف موريتانيا ضمن أطراف النزاع.