Thank you.. so much.. indeed

سعيد نافع الاثنين 02 يونيو 2025
istockphoto-1251660737-612x612
istockphoto-1251660737-612x612

منذ دجنبر 2020 تاريخ توقيع الرئيس ترامب إعلان الاعتراف الأمريكي بسيادة المملكة المغربية على الصحراء وأقاليمها الجنوبية، ظل السؤال عالقا. متى تلتحق بريطانيا بالولايات المتحدة الأمريكية في تسجيل موقف يسير في الاتجاه الأمريكي ؟. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تطابقت رؤى القوتين العالميتين في كل قضايا المنطقة والعالم، بدءا بتقسيم برلين، ومرورا بخطة مارشال لإعادة بناء أوروبا، وحرب فيتنام وحرب الخليج الأولى مؤتمر مدريد الذي أعاد العرب والاسرائيليين لطاولة المفاوضات، وانتهاء بالحرب على القاعدة والإرهاب والدولة الإسلامية.

لكن العارف بالثقافة البريطانية، قبل السياسة، يعلم جيدا أن الانغلوساكسون يفعلون كل شيء بطريقتهم الخاصة. في بريطانيا مازالوا يقودون سياراتهم على اليسار ويحتفظون بقانون سير خاص على الرغم من أنهم هم من ابتدعوا الإشارات الضوئية. في كرة القدم، وهم مهدها، رفضوا لسنوات طويلة قوانين القارة الأوروبية، ولم يسمحوا لضربات الجزاء بأن تصبح حلا للمباريات المتعادلة إلا منذ وقت قريب نسبيا. أصروا على الخروج من الاتحاد الأوروبي رغم الكلفة الكبيرة. سياساتهم الخارجية تمليها فناعات ذاتية في ما يعرف في أدبيات العرف البريطاني ب‘‘ سو بريتيش بوليتكس‘‘.

اعتراف بريطانيا بسيادة المغرب على صحراءه من خلال تثمين ودعم مقترح الحكم الذاتي واعتباره الحل الأكثر مصداقية ومشروعية للتحقيق على الأرض، لا يعود فقط إلى تشبع الفكر السياسي البريطاني بمبدأ البراغماتية المطلقة. بل أيضا، إلى استقراء منطقي للتحولات الكبرى التي شهدها ملف الصحراء على السنوات الأخيرة، وتثمينا لديبلوماسية ملكية أظهرت للقوى الكبرى في العالم جدية الطرح المغربي لحلحلة ملف الصحراء الموروث عن حقبة الحرب الباردة.. البائدة.

لكن البريطانيين الذين يقول مثلهم المأثور ‘‘لاشي يتأخر إلى الأبد‘‘ يعطون مع هذا الاعتراف دفعة أخرى للعلاقات بين الدولتين، أو المؤسستين الملكيتين الأعرق في التاريخ إذا صح القول. ‘علان دافيد لامي، وزير الخارجية البريطاني في لقاءه أول أمس بنظيره المغربي ناصر بوريطة، واكبه تصريح برغبة بلاده في تعزيز العلاقات الاقتصادية مع المغرب، وضمان تدفق الاستثمارات البريطانية في المملكة بما بعادل ال5 ملايير جنيه استرليني. لتقريب القارئ من قيمة هذا الرقم يكفي التذكير بأنه يعادل تقريبا 4 في المائة من الناتج الوطني الخام.

البريطانيون هم من ابتدعوا اقتصاد السوق والرأسمالية، ويجب قراءة التحول الطارئ في تصورهم للحل النهائي في الصحراء لصالح الشريك الأساسي المغرب، كدعوة لتقوية الروابط التجارية بين البلدين. المغرب هو الشريك الخارجي ال52 لبريطانيا في سجل المبادلات التجارية الدولية بمجموع تصدير يناهر ال18 مليار دولار، يأتي أغلبها على شكل بترول مكرر وآلات معدنية صناعية، منقولة أو ثابتة. في المقابل تعد بريطانيا الشريك العاشر عالميا للمملكة، بمجموع تصدير يناهز ال38 مليار درهم. أهم الصادرات المغربية لبريطانيا، من الحوامض والخضراوات والفواكه، فيما التحقت صناعة السيارات مؤخرا بركب صادرات الرباط إلى لندن. ثمرة أخرى لهذا التقارب، تجلت في إعلان بريطانيا أمس في البلاغ الرسمي الذي نشر في إعقاب لقاء لامي وبوريطة، عن عودتها للاستثمار في الصناعة العسكرية في المغرب.

في الثقل السياسي لهذا الاعتراف، هناك 56 دولة أخرى لازالت تحيا في كنف التاج البريطاني في ما يعرف ب‘‘الكومنويلث‘‘، وهي القاعدة السياسية الموروثة على استقلال تلك الدول عن بريطانيا منذ بدايات و أواسط القرن العشرين. في المملكة التي كانت لا تغيب عنها الشمس، ستتوالى التداعيات الديبلوماسية الإيجابية للإعلان البريطاني، في مناطق متفرقة من العالم، من الباربادوس غربا إلى فيجي في أقاصي المحيط الهادي شرقا.

بالحساب الرياضي المباشر، استطاع المغرب بفضل الحنكة الدبلوماسية الملكية وخطابها الواضح المبني على الوضوح والجدية، والمرتكز أيضا على فهم عميق لطبيعة العلاقات الدولية وإدراجها ضمن تصورات اقتصادية رابحة للجميع، من كسب اعتراف ثلاثة قوى عظمى، من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وهو ما يمهد لانتصار دبلوماسي ساحق وتاريخي في أكتوبر القادم.

لذلك لن نتعب من ترديدها لشركائنا في التاج البريطاني العريق:

Thank you.. so much.. indeed