الجامعة المغربية بين منجزات تستحق التثمين وفضائح تستوجب المحاسبة

بقلم: حنان رحاب الأربعاء 28 مايو 2025
No Image

لا يبدو من الإنصاف أن يتم تقييم الجامعة المغربية من خلال زوايا مظلمة أو من خلال حالات معزولة، لأن الحقيقة تقول إن هذه المؤسسة لعبت، منذ عقود، دورا مركزيا في بناء الدولة الوطنية وتكوين النخب وتوفير الأطر التي أدارت مختلف القطاعات الحيوية، حيث تخرج منها قضاة، وأطباء، ومهندسون، وأساتذة، وسياسيون، وإعلاميون، نشطاء مدنيون لا يمكن إنكار أثرهم الإيجابي في المجتمع.

ومع ذلك، فإن احترام الجامعة يبدأ من نقد اختلالاتها، كما أن التقدير الحقيقي لهذه المؤسسة لا يعني تبرئتها من التجاوزات، بل يفرض مساءلتها وحمايتها من الفساد.

والواقع أن ما شهدته بعض الجامعات المغربية في السنوات الأخيرة من فضائح متتالية لا يمكن اعتباره مجرد “حوادث فردية”، بل مؤشرا على أزمة أخلاقية وهيكلية تحتاج إلى معالجة جدية.

لنبدأ من جامعة ابن زهر بأكادير التي تفجرت بها مؤخرا قضية تتعلق بابتزاز طالبات مقابل تسجيلهن في وحدات للماستر، و أسفرت عن وضع أستاذ جامعي تحت تدابير الحراسة النظرية، معيدة معه إلى الواجهة سؤال الحصانة الأخلاقية للمؤسسة الجامعية، خصوصا وأن المسلك الذي يشرف عليه المشتبه به سبق وأن شكل موضوع طلب افتحاص، دون أي يلقى ذلك تفاعلا جادا من المفتشية العامة لوزارة التعليم العالي.

وقبل ذلك، عاشت جامعة الحسن الأول بسطات على وقع ”فضيحة الجنس مقابل النقط” التي أسقط التحقيق فيها عددا من الأساتذة بتهم التحرش والابتزاز، وذلك بعدما كشفت وجود شبكة متكاملة تستغل النفوذ الجامعي في استدراج الطالبات والتلاعب بالنقط، مما شكل في حينه صدمة داخل الرأي العام، وأعاد إلى السطح تساؤلات مقلقة حول غياب آليات فعالة للتبليغ والوقاية والمحاسبة داخل الحرم الجامعي.

وبدورها، شهدت جامعة عبد المالك السعدي بتطوان تحقيقات في قضية تتعلق بـ”الرشوة مقابل ولوج الماستر والتوظيف”، وهي القضية التي أطاحت بعدد من الأسماء الجامعية والإدارية، وأبانت عن وجود ممارسات خطيرة تمس بمبدأ تكافؤ الفرص وتحول الماستر من فضاء للبحث العلمي إلى مشروع ربحي أو مجال لتصفية الحسابات أو الزبونية.

وبين هذا وذاك، لا يمكن إغفال ما أشار إليه تقرير المجلس الأعلى للحسابات بخصوص الجامعات المغربية، والذي كشف أكثر من مرة عن وجود اختلالات في تسيير الشؤون الإدارية والمالية، وضعف في تتبع نتائج التكوين، وغياب الشفافية في بعض مساطر ولوج المسالك، إضافة إلى مشاكل في تدبير الموارد البشرية، وخاصة فيما يتعلق بالتقييم الموضوعي لأداء الأساتذة.

هذه الوقائع المتكررة، تكشف بوضوح أن بعض آليات الرقابة غير مفعلة بالصرامة المطلوبة. وعلى رأس هذه المؤسسات نجد المفتشية العامة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، التي لا تتحرك إلا بعد تفجر القضايا ووصولها إلى وسائل الإعلام أو القضاء، رغم توفرها على صلاحيات إجراء الافتحاصات بناء على تقارير نقابية، أو شكايات طلابية، أو مؤشرات أولية تستدعي التحقيق.

لكل ذلك يبدو جليا اليوم أن الجامعة المغربية في حاجة إلى إصلاح عميق، لا فقط في بنياتها الأكاديمية، ولكن أيضا في قيمها وأخلاقياتها وآليات الحوكمة داخلها.

ولكن في نفس الوقت، فالمطلوب ليس التهويل أو المساس بمصداقية الشهادات الجامعية، لأن الغالبية من الأساتذة والطلبة والإداريين يعملون بتفان ويحققون إنجازات مشرفة، بل المطلوب هو بناء ثقافة جديدة داخل الحرم الجامعي، قوامها الشفافية، والمحاسبة، والعدالة، والتبليغ الآمن، والاحترام المتبادل، وتكافؤ الفرص.

فإذا كنا نريد فعلا الحفاظ على صورة الجامعة، فعلينا أن نحميها من داخلها، وألا نعتبر أي ملف فساد أو استغلال أو تحرش حادثا عرضيا، لأن الصمت عنه يعني شرعنته، ويجعل من الجامعة مؤسسة فاقدة لثقة المجتمع، وهو أخطر ما قد يحدث.

كما أن الوقت قد حان لدق ناقوس الخطر بجدية، والضغط من أجل تفعيل آليات الرقابة الداخلية، والافتحاص الدوري، ووضع آليات مستقلة لتلقي الشكايات، وضمان الحماية للطلبة والمبلغين، وإعادة النظر في أدوار المفتشية العامة والمجالس التأديبية الجامعية.

فقد آن الأوان للانتقال من منطق رد الفعل إلى منطق الوقاية، ومن منطق الصمت إلى منطق الحكامة العملية والتدبيرية.