يعتبر الإعلان هو الشريان الأساسي لنمو المقاولات الإعلامية وضمان استقرارها وتحسين جودة منتوجها، لكن للأسف، تعرف بلادنا أزمة هيكلية في مجال الإشهار الذي يؤثر على المنظومة الإعلامية ككل، وهو ما يحتاج إلى إصلاحات جذرية لضمان بيئة عادلة، شفافة، ومتوازنة، تحمي حرية الصحافة وتضمن التعددية الإعلامية.
لا أحد يعرف معدل السوق الإشهاري في المغرب المرتبط خاصة بالإعلام، فوحده تحديد حجم الرأسمال المخصص للإشهار في قطاع الإعلام بالمغرب يُعَدُّ تحديًا كبيرا نظرًا لعدم توفر بيانات دقيقة ومحدثة حول هذا الموضوع، هناك أرقام قديمة غير دقيقة، فوفقًا لإحصائيات «جمعية المعلنين المغاربة»، بلغ حجم الاستثمارات الإعلانية الخام في المغرب سنة 2018 حوالي 5.68 مليارات درهم (حوالي نصف مليار دولار)، لا تستفيد منها الصحافة الورقية والإلكترونية مجتمعة سوى بـ 1.18 مليار درهم (100 مليون دولار)..
وحتى مع ضعف السوق الإشهاري هناك فوضى خطيرة في توزيعه، هناك غياب الشفافية في تدبير الإعلانات بالمغرب، كيف يعقل أن يحصل يوتوبر (بين قوسين) رأسماله السب والقذف، ولا يقدم أي جودة في الخدمة العمومية، ويحصل على إشهار غزير، فقط لأنه يعرف كيف يسب ويسيء للمستثمرين الذين يسارعون لشراء صمته وعدم تشويشه عليهم بأن يغدقوا عليه من ريع الإشهار..
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
لقد دقت وزارة الثقافة والاتصال ناقوس الخطر، وسبق للجمعية المغربية للإعلام والنشر أن نبهت للفوضى الكبرى التي يعرفها سوق الإشهار المرتبط بالإعلام في المغرب، إذ لا توجد معايير واضحة وعلنية لتوزيع الميزانيات الإشهارية، وقسم كبير من كعكة الإشهار يذهب إلى جهات معلومة، ما يجعلها في موقع قوة اقتصادية حتى ولو لم تكن توازيها قوة إعلامية مهنية، وهو ما يُضعف التنوع الإعلامي ويهدد الاستقلالية، حيث يصبح الإعلام رهينة للمعلن وليس للمحتوى المهني المقدم، ولا لصحافة القرب الموجودة باستمرار في الميدان ولها تكاليف مالية وأعباء كبرى وتشغل صحافيين عديدين بضمان حقوقهم المادية والمعنوية، وحفظ كرامتهم وتوفير وسائل عمل تسمح بجودة مهنية أكبر، في الوقت الذي يستفيد فيه أصحاب الوزيعة من الإشهار دون أن يكون لمواقعهم أو جرائدهم أو صفحاتهم أي دور أو تأثير أو جودة مهنية.. كل هذا معيب وغير عادل..
والمعضلة الكبرى هي غياب قانون واضح يؤطر العلاقة بين المعلنين ووسائل الإعلام، وهو ما يزيد من حدة الفوضى، فالعديد من المؤسسات الإعلامية الجهوية أو الرقمية تُقصى غالبا من سوق الإشهار، رغم قربها من المواطن ومساهمتها في نقل قضاياه، هذا يؤدي إلى إفلاس أو اختفاء العديد من المبادرات الصحفية ذات القيمة، لذلك نحتاج اليوم إلى تنظيم سوق الإشهار بشكل شفاف وبمعايير موضوعية لتعزيز الشفافية.
لذلك يجب اليوم أن نفتح بشكل استعجالي هذا الملف، خاصة مع دخول شركات كبرى دولية مجال السوق الوطني للإشهار، وانتشار ما يسمى بالمدونين، والذين يستفيدون من سوق الإشهار بدون أن تكون لهم أي التزامات اتجاه الصحافيين أو اتجاه الدولة عبر تأدية الضرائب ولا صندوق وطني للضمان الاجتماعي، حتى أنه أصبحنا أمام موجة جديدة من أثرياء اليوتوب ووسائط التواصل الاجتماعي، الذين لا مستوى ثقافي لهم، ولا تكوين مهني، وإنما جاءت بهم الموجة واستفادوا من فوضى الإشهار وتسيّب العالم الرقمي بلا حسيب ولا رقيب.