مريم الشتوكي تستثمر تداخل عوالم الأدب والرسم لتقديم لوحات سريالية حول الهوية و الوجود

بنزين سكينة الاثنين 24 فبراير 2025

احتضن المركب الثقافي الأشجار العالية بني ملال، افتتاح معرض “Echos d’Âme” للفن التشكيلي، الذي حمل بصمة ثلاث أسماء شابة من مشارب فنية مختلفة، كان من بينهم الموهبة الشابة مريم الشتوكي القادمة لعالم الرسم عبر بوابة الأدب الإنجليزي ودراسة شعبة التحرير الصحفي بجامعة ابن زهر بأكادير، مستثمرة هذا التداخل بين عوالم اللون والحرف لصياغة لوحات سريالية كان جمهور بن ملال على موعد معها الأسبوع الماضي.

" لقد ساعدني هذا التداخل في تكوين رؤية فنية خاصة، ترتكز على التأثير المتبادل بين اللغوي و البصري، باعتبارهما مصدرين متكاملين للإلهام ووسيلتين تعبيريتين لنقل التجربة الإنسانية بأساليب وقواعد مختلفة" تقول الشتوكي في دردشة مع موقع "أحداث أنفو"، مؤكدة أن الكثير من النصوص الشعرية أو السردية تشكل بالنسبة لها محركا رئيسا للغوص في الخيال، و معطى مساهما في بناء صور ورؤى ذهنية تعيد ترجمة النص المكتوب إلى فضاء بصري ينبض بالألوان.

وعن لوحاتها ذات البعد السريالي، أوضحت مريم أنه يمثل بالنسبة لها هامش حرية ومدرسة تسعف على "التعبير عن شتى الأفكار والمشاعر التي تعتمل في النفس البشرية، بعيدا عن القيود التي يفرضها العقل والمنطق. إذ أجد فيها مساحة شاسعة تتيح لي تجاوز حدود الإدراك الحسي و العبور من العوالم المادية إلى عوالم أكثر تعقيدا، تغوص في مفهوم الهوية، و جدوى الوجود، و ماهية الزمن و المعنى".

وأوضحت الفنانة الشابة أنها لم تقطع علاقتها مع المدرسة الواقعية التي تعتمدها خلال فن البورتريه، مشيرة أن هذه المدرسة "تفرض الالتزام الصارم بنقل تفاصيل الواقع كما هي، مما قد يقيد التدفق الحر للخيال. غير أن عملي في الواقعية والسريالية معا ليس متناقضا، بل هو امتداد لرؤية فنية واحدة تمزج بين الوعي و اللاوعي، و بين الواقع و الخيال. ففي حين أن الواقعية تسمح لي بتوثيق ملامح العالم كما أراه، تمنحني السريالية حرية تجسيد العالم كما أشعر به."

وقالت الشتوكي أنها فوجئت بتفاعل الجمهور، " لقد أسعدني كثيرا أن أرى أعمالي تثير مشاعر وتساؤلات متنوعة لدى المتلقي المهتم بالتيار السريالي، المتشوق لسبر أغواره، واكتشاف عوالمه الرمزية، ومحاولة فك شفراته والتعمق في دلالاته الخفية المتعددة. استمتعت أيضا بتأمل نظراتهم، التي تراوحت بين الفضول والدهشة، وأحيانا القلق أو الانزعاج، وهي الانفعالات التي تؤكد على وظيفة الفن وقدرته على ملامسة أعماق النفس البشرية. كما راقني الاستماع إلى قراءاتهم وتأويلاتهم المتباينة، التي سمحت لي برؤية لوحاتي من زوايا جديدة، وأكدت لي أن الفن ليس مجرد وسيلة تعبير شخصية، بل فضاء رحب للحوار، وتبادل الرؤى والمشاعر والتجارب الوجدانية المختلفة بين الفنان والمتلقي".

ولم تفوت الفنانة الشابة الفرصة لتقديم الشكر لكل من أسهم في إثراء هذا الحدث الفني، معتبرة أن التفاعل مع لوحاتها شكل حافزا قويا  لمواصلة استكشاف هذا التيار الفني، موضحة أنها ربما تمزج مستقبلا بين أنماط مختلفة بحثا عن آفاق تعبيرية جديدة.

وعن أسباب توظيفها لعدد من أعضاء الجسم خارج نطاقها المألوف خلال بعض لوحاتها، أوضحت الشتوكي أنها تجد في   تفكيك الجسد وإعادة تركيبه خارج نطاق المألوف وسيلة لاستفزاز الفكر، وكسر القوالب التقليدية التي تختزل الإنسان في حدود الواقع الفيزيائي، " فالجسد البشري، خاصة الأنثوي، ليس مجرد عنصر جمالي أو تكميلي يؤثث فضاء اللوحة، بل هو لغة حية تتجاوز البعد البصري لتلامس عمق التساؤلات الفكرية والوجودية، و تعكس الوجود الإنساني بكل تعقيداته، و تصوراته و تجاربه المتنوعة".

وأضافت الشتوكي، "أن الأعضاء البشرية تصبح بدورها بوابة لفتح باب التأمل في القضايا المتضاربة في الفكر البشري، واستكشاف التحولات التي يمر بها الإنسان على المستويين النفسي والوجودي، مع ما تحمله هذه الأعضاء من معاني رمزية غنية. أما بالنسبة للتأويل، فأنا أراهن على ترك المجال مفتوحا على قراءات لا متناهية أمام المتلقي، كما لا أسعى لفرض قراءة أحادية للوحات، رغم أنني أشارك منظوري الخاص من خلال تقديم العناوين أو بعض الإشارات. لكنني أفضل أن يخوض كل مشاهد تجربته الخاصة مع العمل. و أؤمن بأن اللوحات ذات الطابع السريالي لا تكتمل إلا بالانطباع الذي تخلفه في نفس و فكر المتلقي، وأن كل تأويل يضيف بعدا جديدا للوحة، مما يجعلها كائنا متجددا لا يمكن اختزاله في رؤية واحدة."