من يُتابع "الفلاشات" المقتضبَة التي يَنشرها النصاب هشام جيراندو، تَترسَّخ لديه قناعة ثابتة ومؤكدة بأن الرجل فقد فعلا القُدرة على حبك أساطير الابتزاز ورَتق روايات التشهير، وأضحى يَسقُط، بشكل مُتواتر، في فخ الابتذال والعموميات.
وتَزداد هذه القناعة ترسيخا وتَوكيدا كلما حاول هذا النصّاب، التعرُّض لسُمعة المؤسسات الأمنية عموما، ومصالح الأمن الوطني أو الشرطة على وَجه التحديد والدِقة.
فبعد أن كان هذا النصاب يَبني رأسمال "مِصداقيته المفضوحة" على تَغليف افتراءاته بمُعطيات وأرقام وأسماء مُختلقَة ومُبتدعَة بحِنكة كبيرة، عبر الإغراق في التفاصيل التي تَتظاهر بالدقة وتتدثر بالمِصداقية، نَجدُه في الآونة الأخيرة أصبح يُطِل في كل مرة للحديث عن الشرطة، مُحمَّلا بكم هائل من العُموميات والسَرديات المكشوفة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
بل إن هذا النصاب لم يَعد حتى قادرا على تَضليل المشاهدين بالمعلومات الزائفة التي طالما تَظاهر بأنها مُسرَّبة من مصادر رسمية، وذلك بعدما فُضحَت حقيقته المزاعم الكاذبة التي طالما نَسبها لجهاز الشرطة ولعموم الشرطيات والشرطيين بالمغرب.
فبين مَزاعِمه التي تتحدث عن "التبزنيس في المرفق الأمني" وأخرى تَدعي بأن "الشرطة توقف مستهلكي المخدرات عوض المروجين"، يتأكد لنا بأن هشام جيراندو واقع بين مِطرقة الرغبة الشخصية أو التعليمات الآمرة بضَرب المؤسسة الأمنية والتشهير بالشرطة، وبين سندان الواقع الذي يُكذِّب ذلك ويؤكد بأن الشرطة تَتمتع بمستويات ثِقة عالية لدى المواطن المغربي، بسبب رصيد حافل من الإنجازات تَراكم خلال سنوات من الجِدية في العمل المتواصل في خدمة أمن الوطن والمواطن.
ولعل هذا هو السبب الذي جَعل هشام جيراندو يَصطدم بعائق كبير، يَتمثل في شُح المعلومات الابتزازية التي تَستهدف جهاز الشرطة، وانتفاء مَصادر التسريبات من داخل الأمن، وهو ما جَعله يَغرق فقط في ترديد الإشاعات التضليلية واجترار العموميات التافهة التي تَفضَح أجنداته العدائية.
فكيف لعاقل أن يُصدِّق مزاعم هشام جيراندو حول تَقاعس فرق مكافحة المخدرات في توقيف المروجين واقتصارهم فقط على ضَبط مستهلكي المخدرات، والحال أنه بمُجرد نقرة بسيطة على محركات البحث على الأنترنيت، تُطالعنا أرقام مُهمة حول جهود مصالح الشرطة في مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.
ففي سنة 2024 وحدها، أوقفت مصالح الأمن 103 ألف و589 شخصا، من بينهم 261 مواطنا أجنبيا، في قضايا الاتجار غير المشروع في المخدرات!
فهل نُصدِّق هذه الأرقام الرسمية، التي تؤكدها تقارير الاتحاد الأوروبي ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات؟ أم نُصدِّق مزاعم هشام جيراندو الذي يَتحدث من وَحي الخيال ومن مَنظور الابتزاز والتشهير والخيانة؟
وكيف يُمكن أن نَصِف عمل فرق مكافحة المخدرات بالمتقاعس والانتقائي؟ كما يزعم هشام جيراندو، والحال أن عمليات حجز مخدر الحشيش تتم يوميا بمئات الكيلوغرامات وآلاف الأقراص الطبية المخدرة! فهل هذه الشحنات الكبيرة تَضبِطها مصالح الأمن لدى المستهلكين؟ اللهم إلا إذا كان هشام جيراندو يَقصِد بالمستهلكين أولئك الذين يُحاوِلون اختراق المراكز الحدودية البرية واستغلال المسالك البحرية والجوية في نقل وتهريب شحنات المخدرات والمؤثرات العقلية.
وبلغة الأرقام التي لا تَكذِب، لكي يطمئن هشام جيراندو لنجاعة وجِدية العمليات الأمنية لمكافحة المخدرات، فقد حجزت مصالح الأمن في السنة المنصرمة ما مجموعه 123 طنا و971 كيلوغراما في مخدر الحشيش ومشتقاته، وطن و948 كيلوغراما من الكوكايين، و16 كيلوغراما و53 غراما من الهيروين، علاوة على مليون و429 ألف و52 من المؤثرات العقلية المهلوسة، من بينها 773 ألف و493 قرص من مخدر إكستازي، و 704 ألف قنينة تضم 70 ألف و400 لتر من الأدوية التي تضم موادا مخدرة خاضعة للمراقبة الدولية، علاوة على ثمان كيلوغرامات و331 غراما من مخدر البوفا.
فكل هذه الضَبطيات النوعية تم تَحصيلُها من خلال تفكيك شبكات منظمة لتهريب المخدرات تتوفر علي موارد وإمكانيات لوجستيكية ضخمة، ولم يتم حجزها لدى المستهلكين والمتعاطين كما يَتوهم هذا النصاب الكندي المدعو هشام جيراندو.
بل إن مُجرَّد ادعاء هذا النصاب بأن فرق مكافحة المخدرات تَقتصِر على توقيف مستهلكي المخدرات، هو في حد ذاته اعتراف تلقائي بوجود مَجهودات تُبذَل ميدانيا لمكافحة ترويج الممنوعات بشتى أنواعها.
فما يجهله هشام جيراندو أنه حتى عمليات توقيف المستهلكين تَلعَب دورا رَدعيا في مواجهة تَفشي استهلاك المخدرات، لأنها تُشكِّل مَصدرا مهما للمعلومات لمصالح الشرطة لرَصد وتتبع مَسارات مروجي المخدرات انطلاقا من تصريحات المستهلكين، وإلا كيف يَظن أن فِرق الاستعلام الجنائي تَعمَل في مجال كَشف ارتباطات وامتدادات شبكات تهريب وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية.
وهنا لا بد أن يَفهم هشام جيراندو بأن هُروبه من المغرب منذ عِدة سنوات خَلق في مُخيِّلته ثَغرة كبيرة لم يَستوعب معها حجم التطور والاحترافية التي تَطبَع عمل الشرطة المغربية. فاليوم من المستحيل أن تُوقِف فرقة أو دورية للشرطة شخصا ويتم إخضاعه لإجراءات البحث داخل مقر للأمن الوطني، دون أن يتم احترام مجموعة من الضوابط القانونية والتنظيمية، التي لا تَترُك لموظفي الشرطة أية إمكانية لإطلاق سراح الموقوف على هَواهُم كما يَتوهَّم جيراندو.
فأي عملية توقيف، مهما كانت بسيطة ولأي سبب كان، تَخضَع لمسطرة وإجراءات شكلية دقيقة، تَنطلِق من إشعار قاعات القيادة والتنسيق بعملية التوقيف، ثم وُلوج الموقوف لمقر الشرطة وتنقيطه بقواعد المعطيات الأمنية، ثم تَدوين المعطيات الخاصة بهذه العملية بسِجلات إلكترونية وأخرى مادية، إلى غاية إخضاعه لإجراءات البحث ومآل هذا البحث ونتائجه التي تُدوَّن وتَخضَع لرَقابة وظيفية صارمة، تَمنَع اتخاذ أي قرار غير قانوني اتجاه الموقوف، وذلك دون إغفال دور النيابات العامة في المراقبة والمتابعة الدائمة لعَمل مصالح الشرطة عُموما وفرق الشرطة القضائية على وَجه الخصوص.
فالبيع والشراء في حرية الموقوفين كما يَتوهَمُه هشام جيراندو لا يُوجَد إلا في مُخيِلتِه المريضة، وما عليه إلا أن يَسأل مَصادره السرية والعلنية عن بروتوكولات العمل في مقرات الشرطة، ليتأكد أن لا أحد في جهاز الشرطة يَملِك سُلطة تقرير مصير الأشخاص الموقوفين إلا في حُدود ما تُخوِله الحقوق والحريات التي يَكفلها القانون لكل مواطن، وفي مُقدمتها قَرينة البراءة وانتفاء تَورُطه في أية أفعال إجرامية.
وكرسالة أخيرة لهشام جيراندو: إن جهاز الشرطة المغربية يَملِك مَناعة كبيرة ضد إشاعات النصابين والمحتالين والمبتزين، لأنه يَتعامَل يَوميا مع هذه الفئة من المخرصين والأفاكين الذين يَقتاتون من الكذب والابتزاز، وبالتالي فالشرطة المغربية لن يَضُرَّها ما يَنشرُه هشام جيراندو لأنها تَعلَم جيدا التكييف القانوني الذي يُطوِّق عُنقه في المغرب والخارج.