بمبضع البروفيسور الخبير يشرح الفقيه القانوني الياباني ما تسوموتو شوجي النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وبآليات قانونية محضة ينسف الطرح الانفصالي الذي تدعمه الجزائر بدءا بتقويض فكرة الجمهورية وانتهاء إلى تفكيك مفهوم تقرير المصير.
في كتابه الجديد "نزاع الصحراء: من أجل مقاربة مندمجة للتناول القانوني" الصادر باللغة الإنجليزية، يقدم ماتسوموتو شوجي دراسة قانونية متعمقة حول قضية الصحراء معتمدا على منهجية قانونية متجردة ومن منظور خارجي، بحيث جمع بين التحليل القانوني التقليدي وآخر مستجدات نظريات القانون الدولي من أجل تقديم منظور متكامل لحل النزاع المفتعل.
جاء صوت البروفيسور الياباني القانوني ليدعم الأصوات السياسية ويشكل دعامة لباقي الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تؤكد مغربية الصحراء. وارتفع صوته بوضوح وحكمة خلال اللقاء الذي نظمه مؤخرا مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد بالرباط، والذي أداره باقتدار البروفيسور المغربي المصطفى الرزرازي.
قدم البروفيسور الرزرازي اللقاء مشيدا النظر القانوني الثاقب للفقيه الياباني الذي يدير العديد من المنظمات غير الحكومية، منها معهد سابورو للتضامن الدولي والمركز الياباني للدراسات المغربية، كما أثنى على خبرته الطويلة وانكبابه الحثيث على دراسة النزاع المفتعل حول الصحراء بحنكة قانونية قل نظيرها، باعتباره أستاذا سابقا للقانون الدولي بجامعة سابورو جاكوين وأستاذا فخريا حاليا بالجامعة نفسها، وباحثا زائرا في جامعة لندن.
ويعتبر الكتاب إطارا متعدد الأبعاد لمعالجة قضية الصحراء ورغم أنه يرتكز على القانون الدولي فإن يتجاوز المدرسة الشكلية من خلال دمج الجوانب الإنسانية والتاريخية والأمنية، بحيث إن هذه الأبعاد المترابطة تقدم نهجا شاملا لحل النزاعات الإقليمية بطريقة سلمية وقانونية، ومستنيرة تاريخيا وعادلة اجتماعيا، وعلاوة على ذلك فإن هذا الإطار يأخذ بعين الاعتبار الآثار الأوسع نطاقا، على الاستقرار الإقليمي والسلام العالمي.
وفي السياق نفسه ذهب الرئيس التنفيذي لمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، كريم العيناوي، الذي أكد خلال كلمته الافتتاحية أن العمل "الجاد والمتسم بالدقة" الذي قام به الكاتب ينبع من معرفة عميقة بالنزاع حول الصحراء المغربية، مضيفا أن العمل يعتمد على مقاربة علمية تحلل مختلف جوانب قضية الصحراء المغربية من وجهة نظر قانونية.
وخلال تقديمه للطرح القانوني الذي تضمنه كتابه الجديد دعا ما تسوموتو شوجي صناع القرار والأكاديميين والخبراء القانونيين إلى المساهمة في النقاشات التي تركز على أهمية القانون الدولي في حل النزاعات، مشيرا إلى أن السيادة المغربية على الصحراء ترتكز على أسس قانونية متينة، يعززها الدعم المتزايد للمجتمع الدولي.
من هذا المنطلق يؤكد الفقيه القانوني الياباني أنه من خلال اقتراح مبادرة الحكم الذاتي، يقدم المغرب حلا عمليا يحترم المعايير الدولية، مبرزا أن الحلول السياسية لنزاع الصحراء يجب أن تستند على احترام القانون الدولي، وخاصة ما يصطلح عليه "القواعد الآمرة"، وأي حل سياسي ينتهك هذه القواعد يعتبر باطلا قانونيا من الأصل. وتشمل هذه القواعد الحظر المطلق للتمييز العنصري وحق تقرير المصير، مع التشديد على أن هذا الحق لا يمكن ممارسته بطريقة تمييزية على أساس العرق أو الأصل القومي.
وفي هذا الإطار ينتقد الكاتب الياباني تصنيف حق تقرير المصير كقاعدة آمرة وفقا للجنة القانون الدولي لعام 2022، موضحا أن هذا الحق غير مدرج ضمن الحقوق غير القابلة للاستثناء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ليخلص أن اعتبار تقرير المصير كقاعدة آمرة يتعارض مع المعايير التي و ضعتها اللجنة نفسها.
وفي تحليل قانوني رصين وفق بناء موثق مؤسس على قاعدة صلبة، يخلص ماتسوموتو شوجي في كتابه إلى ورطة الجزائر في ظل تشبيه وضعية "البولساريو" بوضع ما يسمى بـ"الجمهورية الصحراوية" المعلنة بشكل أحادي بحالة "منشوكو" التي كانت تحت السيطرة اليابانية، مؤكدا أن الاعتراف المبكر بهذه الجمهورية يعد انتهاكا للقانون الدولي وأن الجزائر تتحمل المسؤولية القانونية عن أفعال جبهة البوليساريو بصفتها المسيطرة عليها. وبذلك فإن الاعتراف بالجمهورية الصحراوية المعلنة أحاديا يعد باطلا قانونيا وغير مشروع.
مقابل ذلك يصف الكاتب المبادرة المغربية للحكم الذاتي بأنها حل عملي وقانوني يضمن احترام حقوق جميع سكان الأقاليم، ويوفر إطارا للمفاوضات تحت سيادة المغرب، مع منح الحكم الذاتي للأقاليم وهو ما يعتبره الفقيه القانوني متوافقا تماما مع القانون الدولي و"القواعد الآمرة". لذلك فإن الحكم الذاتي هو وسيلة للتوفيق بين السيادة الوطنية والحقوق الإقليمية. وهو الحل الأساس للنزاع حول الصحراء التي تجمع بين احترام القانون الدولي وضمان التنمية المستدامة لسكان الأقاليم الجنوبية.
وبالتالي فإن هذا العمل يعد مرجعا قانونيا وسياسيا هاما لفهم النزاع وآفاق تسويته.
وفي شرحه للمناهج الحديثة التي اعتمدها البروفيسور الياباني قال إنه لتحديد قواعد القانون الدولي يتم إجراء ملاحظة تجريبية خالية من أي تصورات مسبقة للمعاهدات والقوانين الدولي العرفية وقرارات المحاكم والمبادئ العام للقانون الدولي، بالإضافة إلى ذلك فإن معظم القواعد الواردة في مشاريع الاتفاقيات المعتمدة من طرف لجنة القانون الدولي تشير إلى القواعد القائمة وتؤكدها لأن هذه القواعد تستند إلى ممارسات الدول وقرارات المحاكم. بعد ذلك يتم تفسير القواعد وفقا لاتفاقية فيينا، ويتم تطبيق القواعد المفسرة على الوقائع التي اعترف بها جميع الأطراف أو التي تم إثباتها رسميا. ومع ذلك يشير ماتسوموتو شوجي إلى أن قرارات المحاكم لا تخلو دائما من دوافع سياسية وإيديولوجية لذا ينبغي قراءة قرارات المحاكم بشكل نقدي من حيث الاستدلال المنطقي وطريقة التفسير المنصوص عليها في اتفاقية فيينا. وبعد هذا التحليل النقدي فقط، يمكن الإشارة إلى قرارات المحاكم باعتبارها سابقة لتحديد القواعد.
العرض الرصين والغني الذي قدمه البروفيسور الياباني فتح نقاشا جديا وعميقا حول موضوع الصحراء المغربية من لدن خبراء وشخصيات بارزة حضرت الندوة، من بينهم السيد محمد لوليشكي، السفير السابق للمملكة لدى الأمم المتحدة والباحث البارز في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، والسيدة نزهة الشقروني، الباحثة البارزة أيضا في المركز، وكذلك البروفيسور المصطفى الرزرازي الذي سلط الضوء على مقاربة الفقيه القانوني الياباني باعتباره تابعها منذ بدايتها في 2014 عندما قدم نواتها في حوار لجريدة "الأحداث المغربية" تحت عنوان "الجمهورية الصحرواية" مجرد تنظيم اختار توصيف نفسه بلقب "الجمهورية"!
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });