من أجل مدونة أسرة تحقق العدل

بقلم: حكيم بلمداحي الثلاثاء 31 ديسمبر 2024

منذ الكشف عن استشارة المجلس العلمي الأعلى بخصوص تعديلات مدونة الأسرة، عجت وسائل التواصل الاجتماعي بلغط أكثر ما فيه ترويج لمغالطات لا أساس لها من الصحة.

جزء من المروجين لهاته المغالطات ينطلقون من خلفية إسلاموية، يعرفون مرادهم بما يروجون له. فالهدف واضح هو الضغط من أجل استمرار إيديولوجيتهم القائمة على قاعدة الهيمنة على المجتمع من أجل التحكم فيه خدمة لمصالحهم السياسية التي لا تخفى على أحد. هذه المغالطات تقوم على أسلوب دغدغة الوازع الديني الذي يحكم المجتمع المغربي بشكل أو بآخر.

أصحاب المغالطات بخصوص مدونة الأسرة يستغلون فراغا على مستوى النقاش العمومي، مما يجعل أكاذيبهم تلقى رواجا سريعا وانتشارا كبيرا. والمسؤولية ثابتة في حق الإعلام العمومي الذي تعود على أن يخلف الموعد في كل محطة تستدعي نقاشا عموميا متزنا..

مروجو المغالطات يصدرون أحكاما على مدونة لم تخرج للوجود بعد، وما ظهر لحد الآن هو رأي ديني أدلى به المجلس العلمي، وسيشكل إطارا عاما لبعض التغييرات في مدونة الأسرة. أما المدونة كقانون فسيتبع مسطرة معروفة، حيث عليها أن تسلك مسارا تشريعيا يحدده الدستور.

لا يمكن لعاقل أن ينفي أن القوانين توضع للتنظيم ولتحقيق العدالة ولإبعاد الظلم والاستغلال. وقد أبرزت الممارسة أن هناك حيفا يطال فئة من أفراد من المجتمع، وبالتالي فمن واجب المشرع أن يوقف هذا الحيف ويحد منه. ومن منطلق أن القاعدة الأساسية للقيم الكونية المثبتة في المواثيق الدولية تتمثل في تحقيق المصلحة الفضلى للفئات الهشة، ومنها الطفل والمرأة، فإن الممارسة أبرزت أن مدونة الأسرة الحالية في المغرب بعيدة عن هذه الغاية.

لقد جاءت الرغبة في تعديل مدونة الأسرة، من غياب العدل في القانون الحالي، نتيجة تطورات حدثت في المجتمع.. وأسوق هنا مثالين اثنين يبينان حجم الظلم والمس بمصلحة الأغيار.. المثال الأول تطرق له الإعلام في حينه، حين سيدة أجبرت على الانتقال من سكنها في خضم الموسم الدراسي، وكان لزاما عليها أن تحصل على شهادة الانتقال لابنتها من المدرسة.. الطفلة، التي يشهد مدرسيها بتميزها المدرسي، يوجد والدها في السجن، وفي حالة خصام مع الزوجة.. طبعا تبعا للقانون امتنع مدير المدرسة منحها شهادة الانتقال لأن أمر الطلب من اختصاص الأب.. اتجهت السيدة إلى نيابة التعليم ولقيت نفس الجواب هو أن الأب هو المخول بالحصول على انتقال ابنته.. هنا سوف تضيع مصلحة طفلة بريئة من المفروض أن تحمي الدولة مصلحتها الفضلى..

المثال الثاني، وهو منتشر بكثرة، عن رجل توفي وترك بنات دون ولد ذكر، هنا ستجد بناته من يقاسمهم التركة، حتى لو كان الأمر يستدعي تشريدهن.. فهل هذا هو العدل، أليس المطلوب هنا أن يجتهد الفقهاء في صياغة قانون يحمي الناس في مصالحهم، خصوصا وأننا نتجه بسرعة كبيرة نحو الأسرة النووية ونبتعد عن العائلة الممتدة، على الأقل في الجانب المادي..

هي تفاصيل كثير يجب الوقوف عندها، وهي التي تستدعي تغييرا جذريا في مدونة الأسرة.. والهدف الأسمى هو تحقيق العدل والمساواة ورفع الحيف والظلم...