غالي و«الموقف» رخيص

بقلم: محمد محلا الثلاثاء 17 ديسمبر 2024

عندما يذكر اسم عزيز غالي في خضم الجدل الأخير، يتبادر إلى ذهني مباشرة مثل يقال عند إخواننا في مصر «غالي والطلب رخيص». وما أصعب أن يكون الموقف هو الرخيص في الحديث عن الوطن، بعد طلب رأي في مسألة محسومة.

إنه مشهد يتكرر باستمرار عند البعض: شخصية تروج خطابات رنانة، ترفع شعارات كبرى، ثم عند أول اختبار حقيقي، أو ما إن تحتك بالحقائق الصلبة والثوابت الوطنية، تتبدد هذه المواقف كالزبد.

المشكلة ليست في الاسم الذي قد يبدو «غاليا»، بل في المواقف التي ترتدي عباءة الحقوقية بينما تخفي تحتها أجندات سياسية «رخيصة» تسعى للنيل من وحدة البلاد، وتحويل قضاياها المصيرية إلى أوراق مساومة مع أطراف متربصة.

يزداد المشهد عبثا حين نرى بعض الوجوه في الساحة العامة تتسابق لتجييش النقاش في قضايا أخرى، وتوزع صكوك التخوين بلا حسيب ولا رقيب، لكنها تصمت أو تراوغ عندما يتعلق الأمر بموقف معاد للوطن أو مساس بثوابته. هذا الانتقاء المريب يفضح هشاشة القيم ويبرز انتهازية البعض، الذين لا يرون في الثوابت إلا فرصة للابتزاز. والأشد إيلاما هو جبن بعض الفاعلين السياسيين الذين يدعون تمثيل إرادة الشعب، لكنهم يلوذون بالصمت أمام مواقف معادية لوحدة الوطن، وكأن خسارة مكسب سياسي أو إعلامي تبرر الوقوف على الحياد إزاء طعن صريح في وحدة البلاد.

في نهاية المطاف، لا يتعلق الأمر بمجرد اختلاف في الرأي، فثمة حقائق لا ينبغي أن تختزل في وجهات نظر. مغربية الصحراء ليست رأيا نتبادله، بل واقع متجذر في وجدان الشعب، يسري في دماء كل مغربي، ويشكل إحدى ركائز الهوية الوطنية الراسخة. واحترام هذه الحقيقة لا يضيق على حرية الرأي، بل يحفظها من الابتذال ويصون نقاشنا العمومي من التحول إلى سوق للمساومة.

والآن، أكثر من أي وقت مضى، حان الوقت لعزيز غالي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن يعيدا النظر في مواقفهما من قضية الصحراء. العالم بأسره، بما في ذلك أعتى الديمقراطيات، غيروا مواقفهم بعد أن أدركوا منطقية الطرح المغربي ومشروعيته التاريخية والقانونية والحقوقية.

ما يجعل هذه المواقف الشاردة أكثر غرابة، هو تجاهل أصوات الضحايا الذين يعانون في مخيمات تندوف تحت سيطرة البوليساريو، الكيان الوهمي الذي تدعمه أطراف تلبس ثوب الحقوقية زيفا. هناك، حيث تم تعذيب الأبرياء واغتصاب النساء وتجنيد الأطفال، وسحق الكرامة الإنسانية تحت أقدام «غالي» الجزائر، ومن يسبح في فلكه. كيف يمكن لمن يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان أن يغض الطرف عن فظاعات همج تبولوا على جثث رجال سلطة بعد أحداث اكديم إزيك؟ أليس في ذلك ما يمس بحقوق الإنسان؟

في هذا السياق، يبقى من يرفع شعارات «الحقوق» متشبثا بمواقف متجاوزة، غير مدرك أن الحقوق تبدأ من صون استقرار الوطن ووحدته. فالتمسك بمثل هذه المواقف، لأسباب سياسية تلبس ثوبا حقوقيا، لا يخدم سوى أجندات معادية تستغل الشعارات الحقوقية كواجهة لضرب الوطن، بينما يفقد هؤلاء مصداقيتهم أمام شعب يدرك أن الحقوق لا تصان إلا في وطن آمن ومستقر.

المغرب اليوم يخطو بثبات نحو بناء موقعه كقوة إقليمية، بفضل طرحه الواقعي الذي يقنع العالم. أما من يصر على البقاء في غياهب مواقف متجاوزة، وخطط اندحرت منذ عهد الحرب الباردة، فلن يجد إلا العزلة والخذلان، لأن الحقوق لا تنفصل عن سيادة الوطن، والمواقف الرخيصة سينفض الجميع من حولها.