هكذا فكك المغرب «عقيدة الانفصال» في أمريكا اللاتينية

الباراغواي تلتحق بركب الدول الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي
عبد المجيد حشادي الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
Capture d’écran 2024-11-18 à 09.51.05
Capture d’écran 2024-11-18 à 09.51.05

بعد قرار دولة الإكوادور، مؤخرا، سحب اعترافها بالجمهورية الوهمية، وتصويتها لصالح القرار الأخير لمجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء المغربية، جاء الدور على دولة الباراغواي، ليتخذ مجلس الشيوخ بها اعترافا بمغربية الصحراء، ودعوته لحكومة بلاده لاتخاذ موقف مماثل، في سياق تحول كبير يكشف عن اختراق مغربي لمعقل أمريكا اللاتينية.

ويشكل هذا الموقف الجديد لمجلس شيوخ الباراغواي تطورا لافتا في أمريكا اللاتينية، حيث قدمت المؤسسة التشريعية في هذا البلد الأمريكي دعما واضحا للموقف المغربي، باعتمادها في جلسة عامة لحل سلمي ومتفاوض بشأنه للنزاع حول الصحراء.

وأكثر من ذلك، اعتبر مجلس الشيوخ في الباراغواي أن مبادرة الحكم الذاتي هي الأساس الوحيد لحل سلمي وعادل ودائم ومقبول من الأطراف، لكن في احترام لسيادة المغرب ولوحدته الترابية، ما يجعل أي حديث عن قرار لا ينسجم مع هذا الواقع مرفوضا وغير مقبول.

وتظهر أهمية هذا القرار المتخذ من قبل مجلس الشيوخ في الباراغواي في توجيه المؤسسة التشريعية رسالة سياسية لحكومة بلادها من أجل اتخاذ قرار مماثل، وترجمة هذا الموقف عبر بيانات رسمية تدعم مغربية الصحراء في جميع المحافل الدولية.

ويفتح هذا القرار التشريعي الباب لحكومة الباراغواي، من أجل التحول نحو الدعم المباشر لمغربية الصحراء، والانخراط في سياق الزخم الذي تعرفه القضية المغربية في العالم، عبر تبني عدد من الدول لقرارات داعمة لمبادرة الحكم الذاتي، وبالتالي الخروج من عباءة الموقف المحايد أو الداعم لأطروحة الانفصاليين.

في تفعيله لهذا القرار، وجه مجلس الشيوخ في الباراغواي نص القرار إلى رئيس الجمهورية، سانتياغو بينيا، وإلى السفير المغربي في أسونسيون، بدر الدين عبد المومني، والذي صرح بأن اعتماد مجلس الشيوخ لقرار يدعم مبادرة الحكم الذاتي ويعتبرها الأساس الوحيد لحل النزاع في الصحراء يعكس توافقا دوليا متزايدا حول هذا المقترح الذي قدمه المغرب.

وفي انتظار أن تفعل حكومة الباراغواي قرار دعم مبادرة الحكم الذاتي يكشف هذا التوجه الجديد لهذا الدولة نجاح الديبلوماسية المغربية في اختراق هذا المعقل، الذي كان يتبنى في مرحلة من الزمن الموقف الانفصالي، لكنه تحول بشكل كبير في تصحيح موقفه والتماهي مع الموقف المغربي.

وقبيل هذا القرار، كانت دولة الإكوادور قد اتخذت موقفا تاريخيا، بعد لقاء جمع وزير وزير خارجية الإكوادور، ووزير الخارجية ناصر بوريطة، والذي تم خلاله سحب الإكوادور اعترافها بالجمهورية الوهمية، حيث قالت إن هذا القرار يدخل ضمن استراتيجية جديدة لتعزيز العلاقات مع المغرب.

ويشكل هذا التحول، كذلك، سقوط أحد أهم معاقل دعم الانفصاليين في أمريكا اللاتينية، حيث شكل هذا البلد عاصمة داعمة للموقف الكوبي، الذي كان يشكل محركا لمواقف أمريكا اللاتينية في عدد من القضايا، قبل أن يبدأ فرط هذا التحالف يتساقط حبة بعد حبة، ما يؤكد نجاح المقاربة المغربية في اختراق هذا المعقل.

كما برز ضمن هذا التحول موقف جمهورية الدومينيكان، والتي قررت في غشت الماضي الاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي، بل وقررت فتح قنصلية عامة قريبا في مدينة الداخلة، لتلتحق بركب دولتين من دول منطقة الكرايبي وأمريكا اللاتينية، وهما هايتي وسورينام، حيث افتتحتا قنصليتين لهما في الصحراء المغربية.

ويعد هذا التحول مكسبا كبيرا للديبلوماسية المغربية، والتي نجحت بالفعل في تفكيك أواصر إيديولوجية كانت تتبنى موقفا داعما للانفصاليين، بناء على تشبعها بالفكر الثوري الذي كان منتشرا في هذا المعقل، بسبب صراع الحرب الباردة، وما تلاها من تقسيم العالم لمعسكرين، استغلته الجزائر لبناء أطروحتها «التحررية» واستمالة بعض الدول بالمنطقة لتبني هذا الموقف.

وسبق للأكاديمي محمد لكحل أن نشر ورقة بحثية، حاول من خلالها فضح البروباغاندا التي كانت يروجها النظام العسكري في الجزائر لاستمالة دول أمريكا اللاتينية، وصنع كيان البوليساريو، باعتباره عقيدة يجب الدفاع عنها بالمال والسلاح.

وبسبب انتشار هذه العقيدة، كان لابد من تعامل خاص مع هذه الدول، وهذا أساس العمل الذي اعتمدته الديبلوماسية المغربية، حيث كشفت هذه الدراسة، وعبر سلسلة من المقابلات غير المنشورة مع رؤساء، ووزراء خارجية، وأعضاء الكونغرس، وسياسيين، ودبلوماسيين، وخبراء من المكسيك إلى باتاغونيا في جنوب الأرجنتين، عن التطورات التي طرأت على قضية الصحراء المغربية في أمريكا اللاتينية.

كما كشفت، كذلك، عن الأسلوب الذي اعتمده المغرب لتغيير النبرة الموالية لأطروحة الانفصال إلى نبرة أكثر اعتدالا، وهو ما برز فعليا عبر تراجع عدد من الدول عن دعم الأطروحة الانفصالية، ودعم مقترح الحكم الذاتي، بل تحولت بعض الدول نحو اتخاذ قرارات بافتتاح قنصليات في الصحراء المغربية، ضمن تحول ينهي زمن البروباغاندا الجزائرية ويغلق ملف الجمهورية الوهمية للأبد في معقل أمريكا اللاتينية.