حكومة تهوى الأزمات

بقلم: حكيم بلمداحي الاثنين 11 نوفمبر 2024
No Image

بعد حوالي أحد عشر شهرا من الإضراب، يعود طلبة كليات الطب والصيدلة إلى الدراسة ومباشرة التكوينات. إضرابات الطلبة المذكورين لم يشهد له التاريخ مثيلا لا في الشرق ولا في الغرب ولا في السند أو الهند. هي صناعة مغربية بامتياز أنتجتها حكومة غريبة في تعاملها مع الأزمات. حكومة فريدة في طريقة مواجهتها لمطالب المواطنين والهيئات والتنظيمات المدنية والنقابية..

ليس في وصف الحكومة بالبكماء الصماء، في عدة مجالات، أي غلو. فما كان لملف طلبة كليات الطب أن يأخذ هذا المنحى العبثي لو اقتنعت الحكومة بأن الاستماع إلى الناس وفهم مطالبهم وتخوفاتهم، والبحث معهم عن حلول، هو من صلب العمل الحكومي، وبأن هذا الأمر يرفع من شأن الحكومة، وليس كما يفهم بعض أعضائها بأن اللين والحوار يمس بهيبة الدولة..

لقد جلس طلبة الطب والحكومة، بوساطة من مؤسسة الوسيط، وتم التوصل إلى حل قد يكون نهائيا للملف أو على الأقل الخطوة الأولى نحو تنزيل الإصلاح بجودة تراعي الجانب البيداغوجي والتكويني، والجانب الاستراتيجي.

هل كان على الحكومة أن تنتظر كل هذا الوقت لتقتنع بضرورة الحوار؟ وهل غاب على الحكومة، كل الأشهر الفائتة، أنها تطلق النار على أطرافها بتركها الأزمة تتفاقم، في ركن أساسي تقوم عليه الاستراتيجية الصحية المستقبلية في البلاد. هذه الاستراتيجية التي تعد بتعميم التغطية الصحية بجودة محترمة، وضع لها عاهل البلاد سقفا زمنيا للتنفيذ؟

إضراب طلبة الطب والصيدلة، بهذه المدة السريالية التي عمرها، سيخلق خللا في الخطة الاستراتيجية الصحية. وهي خطة لا يمكن تحقيقها بدون موارد بشرية.

لقد أهدرت الحكومة الزمن، وهي تترك الموضوع يتدحرج ككرة ثلج، ويكبر مع توالي الأيام. كما أضاعت ميزانيات ضخمة، سواء من خلال عدم إجراء التكوينات المطلوبة في الزمن الجامعي، أو من خلال الترتيبات الأمنية في كل وقفة ومسيرة احتجاجية يقوم بها الطلبة. أيضا لحقت العملية ممارسات جانبية خدشت صورة المغرب، وذلك من خلال تدخلات أمنية شابها بعض العنف أو بعض الممارسات الناتجة عن الاحتقان وغيره..

تعامل الحكومة مع ملف أطباء المستقبل أضاع على المغرب الشيء الكثير، مما سيكون له تأثير على الإستراتيجية الصحية، على الأقل في جانب تعميم التغطية الصحية وتنزيل الإصلاح.

 ألم تكن الحكومة في غنى عما حصل، خصوصا وأن الطرف الآخر، أي طلبة الطب والصيدلة، يصنفون من نخبة التلاميذ، ويملكون من الوعي ما يخول لهم التحاور بشكل عقلاني؟

علاقة الحكومة مع الحوار القطاعي والفئوي ملئ بالأخطاء القاتلة. لقد تابعنا جميعا كيف تعاملت مع ملف رجال ونساء التعليم، في موضوع النظام الأساسي، وكيف عاش المغرب أزمة مجتمعية تضرر منها الجميع.. لقد تركت الحكومة الوضع يتفاقم، فدامت الإضرابات لشهور ضاع فيها الزمن المدرسي، وتضرر من ذلك التلاميذ وأسرهم. وبعد هذا وذاك جلست الحكومة للحوار وحلت المشكل. هنا يطرح السؤال عن نباهة الحكومة واستباقيتها للأزمات. فهل هذه الحكومة تهوى التوترات وتعمل على خلقها وتركها تتفاقم؟ السؤال ليس فيه غلو، فبعد أزمة رجال ونساء التعليم، وأزمة طلبة كليات الطب، تعمل الحكومة على أن تتفاقم أزمة أخرى مع المحامين. كما أن قطاع الصحة يشهد غليانا منذ السنة الماضية، تستمر معه الإضرابات، مع تهديد نقابات قطاع الصحة بالتصعيد وشل المستشفيات.. فهل تترك الحكومة هذين الملفين لتكمل بهما ولايتها؟ وهل تنتظر حدوث أزمات أخرى يظهر أنها تلوح في الأفق؟