شيء ما ليس على مايرام في الحكاية كلها. ولو كنت من طينة من يقدمون أنفسهم في الندوات المضحكة بأنهم "صحافيون استقصائيون"، دون أن نرى لتقصي الحقائق لديهم أثرا ذات يوم، لكتبت إنني أنوي إجراء تحقيق حول الموضوع. لكنني لست من النوع، وكل ما أملكه الآن هو لازمة لاتغادر تفكيري تقول: "هناك شيء ما غير واضح في الرحلة كلها". هذه أول مرة في تاريخ البشرية تنظم فيها عملية للهجرة السرية /الجماعية بشكل علني، وبعد الإعلان عنها والقيام برteaser لها على امتداد أيام في "فيسبوك" و "x"، وغيرهما. هذه أول مرة في تاريخ البشرية نسمع طفلا في ال 11 من عمره يقول لنا عبر الميكروفونات المستباحة "صافي فقدت الأمل وجربت كلشي وفهمت أنه مابقا مايدار فهاد البلاد". وهذه أول مرة في تاريخ البشرية، تقول لنا جهة ما إن الجو يوم الخامس عشر من شتنبر سيكون ذا ضباب كثيف، وأنه من الممكن أن تقطعوا المسافة بين الفنيدق وسبتة، سباحة، في أقل من ثلاثين دقيقة بسهولة، قبل أن تضيف هذه الجهة، مشكورة على كل حال، "ستجدون رفقته إيضاحات وخرائط وأنفوغرافيك لكيفية اجتياز هذه الرحلة بسلام، وبأقل الأخطار وبضمان الوصول". كان ينقص طبعا مدنا باسم عنصر "الغوارديا سيفيل"، الذي سيتكفل باستقبالنا، وإخبارنا بالمكان الذي سنتوجه إليه رفقته بعد الوصول. ثم، هذه أول مرة في تاريخ البشرية تقول لنا فيها سيدة من الجزائر إن لديها إبنا يتيما، وهي مطلقة، والمغرب كان يعطيها 500 درهم، وهي مستعدة لبيع كلية لمنحها لأول حراك يستطيع تخليصها من بلد أمها وأبيها أولا الجزائر، ثم من المغرب ثانيا الذي قالت للميكروفونات المستباحة دائما أنه "بلادها واخا هو ماشي بلادها". "خيلوطة" حقيقية، مثلما نقول عندنا في المدن العتيقة، لاتستطيع أن تتبع رأس الخيط فيها لكي تفهم، طالما أنها فعلا تعاني من إلتباس كامل الأركان حد تحوله إلى الوضوح التام في لحظة من اللحظات. هذا الوضوح يقول لنا التالي: مشكلة شبابنا مع البطالة مشكلة حقيقية وكبيرة، ومشكلة إخراج شبابنا من اليأس مشكلة أكبر. ونحن لانحتاج إلى تنظيم رحلات جماعية للهجرة السرية/العلنية لكي نفهمها، ولكي نعرف يوجودها، لأن كل واحد منا لديه في عائلته من يعاني منها. الوضوح نفسه يقول لنا أيضا إن الكذب على صغار العقل لإيهامهم بأن الحل يوجد في الهجرة نحو أوربا، هو مساهمة فقط في التضحية بالمزيد منهم. "أوربا سدات"، وأصبحت تعاني من مشكلة عدم تشغيل أبنائها الموجودين فيها أصلا، وهذه حقيقة يجب أن نجتهد كل من موقعه، وبقوة وصدق لكي تصل إلى من لازال وهم الهجرة نحو الإلدورادو يساورهم. نفس الوضوح يقول إن الكثيرين من المستريحين جدا أعطونا خلال الأيام القليلة الماضية كثيرا من الدروس الكاذبة، والفارغة، والمزايدة، والمجانية، وهم يحاولون الظهور بمظهر الأبطال كذبا وزورا وبهتانا، ويلصقون بالمقابل بالوطن الذي يبذل الغالي والنفيس من أجل بناته وأبنائه كل الأباطيل. هؤلاء دورهم واضح، سينتظرون باستمرار أي سوء يمس وطننا لكي يقولوا لنا مجددا "إيوا شفتو؟"، لذلك لا اعتبار لهم ولا اكتراث بهم. الأهم فعلا، والأوضح من الوضوح في هاته الحكاية الملتبسة هي أننا لايجب أن نقدم صغارنا قرابين لهؤلاء الكاذبين، ولايجب أن نعطيهم المبررات المتجنية لكي يصفوا الحساب مجددا مع وطن لم يعتبروه ذات يوم وطنا لهم. وأنا أتحدث هنا فقط عن المحسوبين علينا من عناصر الداخل، أما الآخرون المشتغلون بمال جار السوء، فلاحديث معهم، لأنهم أعداء واضحون، ظاهرون، ولايختفون ويتخفون بيننا. وهنا وصل ذلك الصباح، حيث تضطر صاحبة الحكايات الشهيرة، الواضح منها والغامض، للتوقف عند الكلام المباح…