للماورائيات سحرها .. ولو أن المعلم الأول أرسطو قدر له أن يجالس مئات المراهقين واليافعين الحالمين بحياة كريمة تلوح لهم من وراء شواطئ المملكة، لما تردد في إدراج ما وراء البحار من أحلام ضمن أقسام الميتافيزيقا، تاركا لبعض مدبري الشأن العام شيئا من الإجابات ومحاولات فهم ذلك الكم الهائل من الأسئلة المعلقة التي تدفع طفلا للارتماء بين أمواج المجهول باحثا عن غد أفضل.أمام هذا العجز في تفسير الظاهرة وتقديم حلول عملية على يد خبرائنا المعاصرين المنقسمين بين منعزل منقطع عن العالم، وبين منجرف في سيل تواجد افتراضي لا تأثير له ، سيكون من الملح استحضار روح المعلم الأول، ولعل الذكاء الاصطناعي وتقنية الهولوجرام تسعفنا في بعث الرجل بلحيته البيضاء، متلحفا زيه الأبيض، كاشفا عن جزء من كتفه، مندسا بين صفوف المتربصين بفرصة نجاة خلف ضباب كثيف، مستثمرا كل خبرته المعرفية في السياسة والمنطق والفيزياء، والموسيقى، والحكم، والأخلاق، و العلوم الطبيعية ... لإستدراجهم نحو البوح بما يدور بينهم كأطفال حول ما وراء البحر بعيدا عن أعين البالغين الذين يتوهمون أن علاقة الصغار بالشاطئ تقتصر على اللهو صيفا.ومن يدري، لعل أرسطو ينجح في كسب ثقة مئات الأطفال والمراهقين الذين لم يسبق لأحد أن أخذهم على محمل الجد رغم سنوات من محاولات اكتشافهم المبكر للمجهول المتواري وراء الشاطئ ، ليتقاسم معرفته وهو يقطع معهم البحر ويطلق عليهم اسم السباحين، على غرار تلاميذته المشائين الذين كان يتقاسم معهم المعرفة وهو يمشي بينهم قبل قرون من الميلاد. وقد يتطور الأمر، وينجح أرسطو في كسب وفاء تلامذته المغاربة كما كسب منذ أزيد من 300 سنة قبل الميلاد، وفاء تلميذه الإسكندر الثالث، الذي لم يبخل عليه بإرسال ما يصادفه من حيوانات ونباتات ومخطوطات خلال الحروب التي خاضها، ما سمح للمعلم بتأسيس أول حديقة في العالم، وقد يكرر التاريخ نفسه في مغرب الاستثناءات، ويعود كل محاول لعبور البحر بسمكة أو طحلب يسعف أرسطو على تأسيس حديقة مائية فريدة على أنقاض كل المحاولات الفاشلة في عبور "ماورائيات" شواطئ المملكة التي نريدها فضاء لمتعة أطفالنا واستجمامهم في الصيف وباقي الفصول.وحتى تكون هناك محاولات جادة لإسدال الستار عن فصول هذه الحكاية الموجعة / المخجلة، التي تصادفت نسختها هذه السنة مع النقاش الدائر حول الأخطار المحدقة بالأطفال المهاجرين، يجب على المهتمين والمسؤولين التخلي عن استعمال ذاكرة السمكة التي تسمح بلعب دور المتفاجئ كلما تكرر المشهد، وكأن الأمر يتعلق بحادثة نشاز ضمن المشهد، والالتفات للتعاطي مع أصل المشكل الذي ما عادت هناك حاجة لتضييع درهم إضافي على دراسات ومراكز تجتر نفس الخلاصات والتوصيات التي يقدر لها أن تبقى حبرا على ورق، ومبررا لبقاء مراكز أبحاث ولقاءات تستنزف ميزانيات الأولى استثمارها في حل المشكل.وأصل المشكل كما جاء على لسان عشرات الأطفال واليافعين، هو الرغبة في مساعدة الوالدين والبحث عن حياة أفضل، وهنا يطرح السؤال، من أقنع هؤلاء الفتية بأنهم مسؤولين عن أسرهم قبل الأوان؟ في وقت يجب أن يتركز اهتمامهم حول الدراسة والهوايات الجانبية . و من رمى بهم داخل دوامة التفكير في سبل البحث عن حياة أفضل؟ مع أنها المهمة الأولى والمؤدى عنها لمنتخبين ومدبري الشأن العام الموكول لهم إيجاد حلول لمشاكل يؤدي تأجيل تدبيرها لتفريخ المزيد والمزيد من الظواهر التي لم يعد من الممكن اليوم طمس معالمها التي توثق وتشارك على نطاق واسع في عوالم افتراضية يمكنها أن تكون وسيلة ناجعة لتجميل صورة المملكة كما تشويهها.