تخليد ربع قرن من حكم الملك محمد السادس.. لحظات استثنائية

د.رشيد لبكر الثلاثاء 30 يوليو 2024
IMG-20240730-WA0052
IMG-20240730-WA0052


لعيد العرش خلال هذه السنة وقع خاص، فقد تحالفت عدة معطيات لجعل هذه المناسبة التي تخلد لمرور 25 سنة على حكم محمد السادس، اي ربع قرن من الزمن، متميزة عبر عدة مستويات.

أولا، لأنها تزامنت مع إعلان القصر الملكي عن إصدار عفو ملكي كريم عن عدد من الصحفيين والمؤثرين الذين قضووا عقوبات حبسية متفاوتة المدة حسب العقوبة المحكوم بها على كل فرد.

عفو ملكي قوبل بردة فعل إيجابية وترحاب كبير على الصعيدين الوطني والدولي، بعدما انتشرت في الآونة الأخيرة نداءات لإطلاق سراح المعفو عنهم، الذين سجن الغالبية منهم، بسبب قضايا جنائية، في حين الترويج لدى بعض الأوساط الحقوقية، ان المتابعة سياسية في الأصل وإن غلفت بتكييفات جرمية أخرى. لكن بعيدا عن هذه السجالات التي شغلت حيزا كبيرا من الزمن المغربي، وربما استغلها بعض خصومنا للترويج لصورة سيئة عن بلادنا، التي قطعت أشواطا كبيرة في مجال حقوق والحريات منذ الإعلان عن طي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، فإن قرار صاحب الجلالة بتمتيع المعنيين بهذه العقوبات بالعفو، جاء في مرحلة مفصلية هامة، لقطع الطريق عن هؤلاء المناوشين والمتربصين، ومن تم، الدفاع عن التجربة المغربية الرائدة ضد من يحاول النيل منها والخدش في البناء المؤسساتي التي بدأت بلادنا بناءه بثبات وثقة بالنفس رغم المعيقات العديدة وكثرة الإكراهات.

لذا أعتقد، أن قرار الإفراج هذا، هو اختيار دولتي تزعمه جلالة الملك للدفاع عن المكتسبات الوطنية في المجال الحقوقي وحفظ الحريات، وقد مارسه باعتباره حقا دستوريا ثابتا لجلالته، وفقا لما تمليه مصلحة البلاد وصورتها في الداخل والخارج وليس بدافع الضغط من أي جهة ما، وقد كان من الأجدى بالفعل طي هذا الملف، من أجل التركيز على ما هو أهم بالنسبة لبلادنا وهو الطي النهائي لقضية الصحراء باعتبارها جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني وواحدا من مكونات السيادة المغربية.

هذا هو المستوى الثاني الذي يجعلني أقر بفرادة اللحظة الوطنية التي تزامنت مع خطاب جلالة الملك، وهي إعلان الإليزيه رسميا عن دعمه لمقترح الحكم الذاتي، و إعلان الرئاسة الفرنسية في الرسالة الرسمية الموجهة إلى جلالته بأن "حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية"، وأن "الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية..".

أعتقد أنه لا يوجد تعبير آخر أوضح من هذا الوضوح، وبذلك تنضاف فرنسا إلى قائمة الدول الكبرى (الدائمة العضوية في مجلس الأمن)، إلى تشكيلة الدول الداعمة للمقترح المغربي والمقرة بسيادة المغرب على أقاليم الصحراء، وهو ما ينبئ بقرب الانفراج النهائي لهذه القضية وانحسار الطرح الانفصالي وقرب زواله.

ومن المهم في هذا الباب الإشارة إلى معطى أساسي، يعكس حكمة وذكاء الموقف المغربي، وهو تعمد صاحب الجلالة عدم تضمين خطاب العرش الإشارة إلى هذا التحول الهام في الموقف الفرنسي، رغم أهميته القصوى ورواجه الواسع قبل الخطاب، والسبب، أن حسن النية التي أبداها المغرب طيلة سنوات، كثيرا ما كانت تقابل في بعض الظروف بالتنكر والتجاهل ولا سيما من قبل الطرف الفرنسي، الذي سبق لجلالته أن طالبه في خطبة سابقة بضرورة الخروج من "المنطقة الرمادية"، وخاطبه بلغة سيادية قوية، تستنكر الابتزاز واللعب على الحبلين.

من أجل ذلك، فقد تعمد جلالته عدم الإشارة إلى هذا الموقف الجديد، حتى يعلن عنه الطرف الفرنسي ذاته، باعتباره هو المعني الأساس بموقفه والأجدر بالإعلان عنه، وأن المغرب "ما تيسبقش العرس بليلة"، ولأن قضيته عادلة فإنه ماض في الدفاع عنها ولا ينتظر مواقف العطف من أحد، فإما الوضوح أو لا، إذ المبدأ، أن الدول تبني مواقفها بناء على المواقف الرسمية للدول وليس على "مايقال وما يروج".

بخصوص القضية الفلسطينية، فأعتقد أن جلالة الملك كان واضحا في إبداء موقف المغرب منها، بعيدا عن أوهام ومغالطات "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، فقد تكلم بمنتهى الواقعية والوضوح قاطعا الطريق عن كل المزايدات، وقال إن المغرب كان دائما مع الدولة الفلسطينية، ولأنه كذلك، فقد فتح طريقا لمد المساعدات لساكنة غزة بعد أن عجز العديد من المتاجرين بالقضية عن فعل ذلك، بل ورفض الخصوع للابتزاز عندما نشر رئيس الكيان الغاشم خريطة المغرب مبتور عنها الجهات الصحراوية العزيزة ردا على موقف المغرب اتجاه غزة.

ورغم كل هذا الدعم، فقد صنف جلالة الملك كل المجهودات المبذولة لإنهاء العدوان اليوم، بأنها مجرد تدبير مرحلي لأزمة وليس حلا جذريا لها، وتبعا لذلك، قدم بمنظور واقعي ورؤية مستدامة، عرضا دبلوماسيا لوقف العدوان يتكون من ثلاث نقط أساسية، أولها توسيع الأفق السياسي، وهو نداء للأطراف المتصارعة، كي تفكر في مقاربة أخرى لتدبير الصراع، قوامها التعايش "ولو على مضض"، وليس المحق والإفناء. وثانيها الجلوس على طاولة المفاوضات وفق الأفق السياسي المقترح من طرف جلالته، والذي لا يقبل بالمتطرفين من هذا الطرف أو ذاك، وفي ظني أن الطرف الإسرائيلي لحد الساعة هو الأكثر تطرفا والأشد تعنتا على اعتبار أن موازين القوى لصالحه فضلا عن الدعم الأمريكي الصريح. أما ثالثها فهو حل الدولتين التي لن تكون إلا تتويجا للنقطتين السابقتين على أساس اعتبار غزة جزءا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

من هنا أرى، أن رسالة الخطاب الملكي في هذا الظرف، موجهة لكل المزايدين على الموقف المغربي، ومضمونها الداعم لقيام الدولة الفلسطينية وحفظ حقوق الشعب الفلسطيني واضح الآن وكما كان دائما، إذ المغرب معروف بحب الألوان الواضحة ويكره المساحات الرمادية.

أخيرا، آمل أن يشمل العفو الملكي معتقلي الريف في أقرب فرصة ممكنة... أنا على يقين بأن العفو مجرد وقت وترتيب لأمور ربما نجهل بعض تفاصيلها، وأن دورهم قادم.

(*) أستاذ بكلية العلوم القانونية جامعة شعيب الدكالي