حلل يادويري !

المختار الغزيوي الخميس 09 مايو 2024

يطلب المشاهدون الكرام من الدويري أن يحلل لهم الحرب، عبر التلفزيون، فيستجيب، ويحللها. 

أصلا، مايطلبه المشاهدون أوامر، وأسوأ مايمكن أن تفعله في الصحافة هو ألا تنفذ أوامر القراء أو المشاهدين أو المستمعين، أي أن تحاول نقل الحقيقة مثلما هي. 

المطلوب منك نقل مايريده المشاهدون لهم بالتحديد دون زيادة ولا نقصان. 

لذلك قال دويري للمشاهدين إن إسرائيل لن تستطيع أبدا قصف غزة، ومع ذلك قصفتها. 

وقال دويري للجمهور بعد بدء القصف الجوي إن الاجتياح البري مستحيل لغزة، لأن كتائب القسام جهزت فخاخا كثيرة للجنود الإسرائيليين سيموتون فيها، وستكون غزة هي مقبرة الغزاة، ومع ذلك اجتاحت إسرائيل غزة من أقصاها إلى أقصاها. 

قال دويري لمن يقولون له "حلل يادويري"، إن اجتياح رفح مستحيل، فاجتاحت إسرائيل رفح. 

في نهاية المطاف، ومهما بلغ تعاطفك مع دويري وتحليل دويري للحرب مداه الأخير، ستجد نفسك تتساءل عن عدد الحروب التي خاضها هذا الرجل، وعن مدى سلامة اختياراته التحليلية، وعن مدى صواب استعانة قناة "الجزيرة" المحترمة به وبهذه التحليلات التي لايمكن وصفها بالدقيقة. 

المشكلة الحقيقية هي أن المطلوب اليوم من دويري ليس هو التحليل العسكري الدقيق. هذا أمر نافل وتافه ولاحاجة للجمهور به. 

المطلوب الحقيقي من دويري هو أن يقول للجمهور مايريد سماعه والسلام. 

لذلك يحب الجمهور دويري وإن كان يكذب عليه، ويقدم له تحليلا عسكريا يرسب كل يوم منذ السابع من أكتوبر الماضي، ولذلك تنهزم "حماس" كلما قال دويري إنها ستنتصر، ولذلك تجتاح إسرائيل أي منطقة قال دويري إنها مستحيلة الاجتياح. 

ولذلك أيضا يكره الجمهور من كانوا صادقين معه منذ اليوم الأول، وقالوا إن "حماس" فتحت باب جهنم على فلسطين وعلى الفلسطينيين. 

الجمهور - لفرط حساسيته وهشاشته وعدم قابليته للإنصات لأمور لاتروقه - لايتحمل سماع هذا الكلام، وإن كان صادقا. 

لذلك يشتم من يقولونه، ويسبهم على صدقه، وبالمقابل يشكر دويري على كذبه، ويطالبه بالمزيد. 

أين المشكل؟ 

هل هو في الجمهور الكريم؟؟؟؟

أبدا، وحاشا، فالزبون ملك مثلما علمنا المثل، ولايحق لنا أن نقول عن زبون وسائل الإعلام إنه مخطئ، وإلا نفر منها، وشتمها وكال لها كل أنواع السباب. 

هل المشكل في المبجل دويري وفي تحليله العميق وفي القناة التي تبث للجمهور هذا التحليل وهذا العمق؟ 

مجددا حاشا. دويري ينفذ فقط مايطلبه المشاهدون، والقناة الدافقة معلومات مطلوبة من هذا الجمهور هي وسيلة تصريف ليس إلا لهذه الطلبات. نوع من "غلوفو" أو "توصيل"، أو "ياسر" توصل لك الطلبات حتى المنزل، وتتلقى عمولتها وتمضي. 

هل المشكل في الصادقين الذين يقولون الحق، والذين ينقلون الواقع مثلما هو، والذين سئموا رؤية كل هذا الموت الفلسطيني مستمرا كل هاته العقود بسبب غباء الطلبية وطالبها؟ 

غالبا، هذا هو الجواب. 

المشكل هو في الصدق، إذ المطلوب منك اليوم لكي تكون محبوب الجماهير هو أن تكذب وأن تقول عكس ماهو كائن حقا على أرض الميدان. 

ما الحل إذن؟ 

حل وحيد واحد لاثاني له: أن تجلس القرفصاء أنت أيضا أمام الشاشة، أن تضع أمامك صحن "البوب كورن" الكبير،  وأن تشرع في الصراخ بكل حماس وبلاهة "حلل يادويري…حلل".