دولة حرب .. وحدة أمة

يونس دافقير الثلاثاء 07 مايو 2024
No Image

الجزائر اليوم، نفسيا وعمليا، هي دولة في حالة حرب، ينقصها فقط إطلاق النار إن لم تكن تتحين الفرصة لذلك. من سوء قدرنا في المغرب ان القرار والسلاح في جوارنا الشرقي، يوجدان تحت إمرة أشخاص يفتقدون الإتزان وتعوزهم الحكمة.

القاع الذي نزل إليه القرار السياسي والإعلامي الجزائري هذه الأيام، ماهو إلا انعكاس لنفسية الحرب هذه، ولحالة اليأس التي انتهى اليها النظام العسكري تجاه تعديل ميزان قوى الصراع الإقليمي والدولي مع المغرب.

في آخر فصول هذا الإنحدار الجزائري ذاك البرود، إن لم نقل إبراء الذمة، الذي تعاملت به ليبيا مع مشروع التجزئة والتقسيم المغاربي الذي رعاه تبون في لقائي الجزائر وتونس، وبعده مباشرة رفضت مجموعة البريكس طلب جنوب افريقيا إدراج موضوع الصحراء ضمن مداولاتها على مستوى نواب وزراء الخارجية، ثم إقرار المنظمات القارية الكروية لوحدة الخريطة الوطنية المغربية.

من العادي والحالة هذه أن تمطرنا، هذه الأيام، بلد "مول الحجرة" بوابل من عناوين افلام الغباء الدرامي.

على العكس من ذلك، يواصل المغرب مد يد السلام وتغليب الحكمة والتعقل، قرار والي جهة سوس ماسة منع تأسيس لجنة تضامن محلية مع "القبايل" إثر إعلانها جمهورية مستقلة نهاية ايريل الماضي، ليس مجرد قرار إداري، هو موقف مبدئي بعمق ديبلوماسي، المغرب لايرعى المشاريع الانفصالية في المنطقة المغاربية، ولا يتدخل في سيادة ووحدة أراضي جيرانه، تبدو هذه صفعة قوية على وجه من فتح مكتبا وهميا لمشروع عدواني جديد في الريف المغربي.

الدول أخلاق وقيم، ولذلك لما سبق للملك محمد السادس أن أكد على انه لن يسمح بأن يكون المغرب مصدر سوء للجزائريين، هاهو يفي بعهده وينجز التزامه، كانت تلك رسالة سوس الديبلوماسية في قالب إداري، في الجهة الأخرى، ينظر العالم باندهاش لمن ينسحب بعدوانية مفرطة من مسابقات رياضية بسبب قميص يحمل خارطة تراب ووجدان جيرانه.

هي المعارك الصغيرة بعد الخسارات الكبرى، وقد يكون مستفبل العلاقات المغربية الفرنسية رصاصة رحمة إلى رأس التنطع العسكري الانفصالي في المنطقة، ومع ذلك، لاينبغي للمرء ان يمشي مطمئنا وبجانبه أحمق يحمل الحجارة، الكثير من الناس تعرضوا للأذى بسبب ذلك في الشوارع العامة، وكذلك الأمر وارد في شوارع الجوار الاقليمي والدولي، لقد تابع العالم مرة اخرى واحدة من العروض الكاريكاتيرية لروح العدوان التي تحكم نظام الحجارة في حدودنا الشرقية .

في كل مرة يخرج المغرب بمكاسب وطنية من الفصول المتجددة للعدوان الجزائري، لا يتعلق الأمر بالمنحز الديبلوماسي فحسب، في لحظات انقسامنا الداخلي تعيدنا الرعونة الجزائرية الى حالة الوحدة، ويتصدر علمنا الوطني وصور رمز الأمة ووحدتها واجهة التعبيرات في الفضاءات العامة، في الواقع يتكرر تطبيق القانون الفطري القديم للمحتمعات البشرية: في حالة الخطر الخارجي تتوحد صفوف الداخل.

هو ما نسميه في خطابنا السياسي " تقوية الجبهة الداخلية"، وهي ليست مرتبطة فقط بالمخاطر القصوى المحتملة للرعونة الجزائرية، بل قد تأتي من تقلبات عالم هائج قيد التشكل، طرحت هذه الفكرة باستمرار من أوساط رسمية وسياسية دون صدى عملي، واليوم، عكس سياقات ممانعة أخرى، هناك ربما فرصة متاحة لترسيخ وتوسيع هذه الجبهة المغربية الوجدانية، وتحويلها الى لحمة وطنية.

نهاية ابريل وبداية ماي 2024، كان هناك مؤشران إيجابيان يدفعان نحو هذا الأفق الوطني الجديد، فقد تحسن ترتيب المغرب في المؤشر الدولي لحرية الصحافة، وظهرت تجسيدات تعاقد اجتماعي جديد، ومن دون شك سيكون المزيد من الاستثمار في هاذين المؤشرين افضل رافعة ممكنة للجبهة الداخلية الموحدة، والجواب العملي الأكثر إيلاما، بعد مكاسب الصحراء، لنظام الاستبداد والفشل في جوارنا الشرقي.

في الواقع، هو فرز موضوعي آخر بين دولة الحرب والتجزئة، وأمة التنمية والوحدة، وهو يستحق عناء تلك الجبهة الداخلية المغربية.