الثلاثي إياد نصار وأسماء أبو اليزيد ومحمد جمعة يملك من المواهب الفنية ما يجعلك تتابع أي عمل درامي يجمعهم دون حتى أن تسأل عن مؤلف المسلسل أو المخرج الذي سيكون خلف الكاميرات ليوجه هؤلاء النجوم. كل واحد منهم حكاية في التمثيل وتقمص الشخصية الموضوعة في السيناريو إلى درجة التماهي، وجودهم في عمل فني فرصة لمتعة المشاهدة ناهيك عن الحبكة التي تتمحور حول قضايا شائكة ومعقدة كالإجهاض الآمن وتأجير الأرحام.
حاول محمد هشام عبية، مؤلف مسلسل «صلة رحم»، تناول هذا النقاش المفتوح عبر وجهات نظر متعددة، تنوعت بين القانون والطب والعرف داخل المجتمع والأهم: رأي الدين. عبية بدأ بقضية الزواج من «الأجنبية» وتعامل الزوج المشرقي معها بكل حمولته الثقافية، ثم فشل هذه الزيجة من خلال بطله «حسام»، الذي فقد ابنه الأول من علاقة شرعية لكنها داخل مجتمع مختلف ثقافيا، هذا الفقد جعله يبحث بكل طاقته عن ابنة أو ابن جديد عندما عاد إلى مجتمعه الأصلي عبر زواجه الثاني من «ليلى» (يسرا اللوزي)، لكن السعي إلى إحساس الأبوة هذا يصطدم مرة أخرى بفقدان جنينه بعد حادث حركة لتفقد زوجته رحمها وحلم الإنجاب مرة أخرى. هنا يدير المخرج تامر نادي كل هذه الحوارات من خلال إطارات بصرية غاية في المهنية رغم حساسية القضية المطروحة: الإجهاض وتأجير الأرحام.
من وجهة نظر شخصية كانت حوارات «حسام» و«دكتور خالد» (محمد جمعة)، والذي يملك رأيا خاصا في عملية الإجهاض الآمن، هي نواة العمل الأساسية ومصدر قوتها والفكرة التي بنى عليها عبية السيناريو. رد «دكتور خالد» على المحقق الذي كان يستجوبه لإجرائه عمليات إجهاض داخل عيادته الخاصة: «القانون بيعاقب البنت على الغلطة مرة واحدة لكن المجتمع بيحاسبها مليون مرة لأنها الطرف الأضعف والقانون اللي ما يحميش الطرف الأضعف يبقى محتاج إعادة نظر» كان هو الرسالة الأساسية التي حاول من خلالها المؤلف فتح النقاش في كل الجوانب المحيطة بالإجهاض، والتي رمى من خلالها المخرج نادي حجرا في بركة موضوع شديد الخصوصية للمجتمعات المنغلقة الممتدة من الماء إلى الماء في منطقة يتداخل فيها ما هو ديني بما هو عرف وليد، والتي عبرها وجه للمشاهد سؤالا جوهريا ومباشرا: ماذا إذا كنت معنيا بالأمر؟ ماذا كنت ستفعل سواء تعلق الأمر بالإجهاض أو تأجير رحم؟ ما هو الصواب؟ ما هو الخطأ؟ أيهما يمكن تجريده من المبدأ حسب تأثيره على حياة الناس؟ ما هو مدى التزامنا بأخلاقيات المهنة إذا تقاطعت مع ضرر ما قد يؤدى إلى فقدان الحياة؟ هل تظل الغايات نزيهة كما بداياتها أم تتغير وفقا لمجريات أحداث تصعب السيطرة عليها؟ هل يمكننا أن نفتح نقاشا جريئا حول عملية تأجير الأرحام لضرورتها القصوى أحيانا والتي يمكنها أن تسعد الكثير من الأسر غير القادرة على الإنجاب بشكل طبيعي؟
تميز المسلسل بأداء تمثيلي قمة في الرقي، على وجه الخصوص من طرف إياد نصار، الذي كان قادرا على توصيل المشهد حتى عبر حركة عينيه، أسماء أبو اليزيد كل يوم تثبت أنها ممثلة من طراز فريد وبمقدرات فنية عالية جدا وتلقائية محببة، محمد جمعة صاحب حضور طاغٍ وقوي جدا.
إنا لله.. الدراما قادرة على فتح باب أي نقاش «متعب» وقادرة على بث التساؤلات والنقاشات العريضة كي يقوم المجتمع بالبحث عن حلول لها.