مدينة…مجرد مثال!

المختار الغزيوي الأربعاء 01 مايو 2024

مكناس، مثل غيرها من المدن المغربية العتيقة، لاتطلب أشياء كثيرة. معرض دولي تحتضنه، وفريق الكرة بماض تليد يعود إلى بعض من سابق مجده، حدثان أعادا لساكنتها بعضا من أمل  فيها مؤخرا، مع انتظار الأهم طبعا الذي يخرج شبابها من عطالتهم: فرص شغل لايمكن أن تكون نادرة في مكان مثل ذلك المكان إلا إذا كانت هناك حالة كسل خرافية لدى مسيري المدينة، تمنع هذا الأمر. 

مدينة بمقومات سياحة ثقافية وتاريخية، لم يتم استغلالها إلى حد الآن، وبمقدرات طبيعية وفلاحية قادرة على جعلها مكان هجرة نحوها، لا مكان هجرة منها، وشباب، إناث وذكور، متميزون في مجالات عديدة، ينتظرون فقط فرصة تتاح لهم لكي يظهروا "حنة يديهم"، مع سؤال كبير يرافق هذا المشهد: أين المشكل إذن؟ ولماذا تمتلئ المقاهي في كل الأحياء، شعبيها والراقي منها، بالشباب على امتداد كل ساعات النهار؟؟؟

مكناس هنا هي نموذج ومثال فقط لمدن مغربية أخرى، وفقط عودة طاقم الجريدة منها بعد أسبوع من تغطية المعرض الدولي للفلاحة، وهم يطرحون السؤال عن سبب توقف "الحال" هناك، هو من فرض هاته الملحوظة عنها. 

في البحث عن الجواب، هناك تاريخ طويل وعريض من التجارب التسييرية التي مرت على تلك المدينة، وهناك أيضا لائحة طويلة من المسؤولين الذين عبروا ذلك المكان، وتركوا بصمتهم عليه بشكل سيء للغاية تؤدي المدينة وسكانها ثمنه إلى اليوم. 

هناك مع ذلك إشراقات إيجابية في هذا التاريخ كله، لكن الغلبة، وهذه سيقولها إبن مكناس وسيقولها زائرها العابر منها مثلما سيقولها المهاجر إليها من أماكن أخرى، هي لسلبيات أثرت على عاصمة المولى إسماعيل، وجعلتها حقا مظلومة بالمقارنة مع ماتستحقه، وبالمقارنة مع شهرتها العالمية، وبالمقارنة مع ماتحتضنه من كفاءات ومقدرات مشهود لها بها في كل مكان. 

ذات روبرتاج قديم نشرته هاته الجريدة عن تلك المدينة، أسمتها "البذخ التاريخيّ المهمل"، وذكرت من نسوا أنها تلقب لدى الفرنسيين ب "فيرساي المغرب"، لكن هذا التباكي على التاريخ الذي كان لم يعد يروق المكناسيات والمكناسيين اليوم، الذين يريدون لحاضرتهم عودة المجد الذي تستحقه لها، ويريدون عيش حاضر جميل ومستقبل أجمل عوض البقاء أسرى "الحجايات القديمة". 

قال أحد قدمائها ونحن نحاوره عن الحال والمآل هناك: "لا ألوم أي أجنبي عن المدينة في هذا الموضوع، اللوم كل اللوم يقع على أبنائها وعلى سنوات وسنوات من الحديث والتنظير في المقاهي وبقية أماكن الالتقاء، عوض الانشغال بالأهم: العمل وإصلاح ماينبغي إصلاحه". 

سألناه: هل أنت متشائم؟ 

أجاب "بالعكس، لايمكن لهاته المدينة إلا أن تصلح حالها وهذا أمر سيقع وبدأ في الوقوع، لأن قدر مثل هاته الحواضر هو أن تتعب - مهما طال الزمن - من تردي أحوالها، وأن تنهض لكي تصبح أفضل". 

هل نصدق الرجل الذي أمضى عمرا طويلا في مختلف تجارب الحياة؟ 

نميل لتصديقه، لأن في تكذيبه خيبة أمل لانريدها لمدننا وحواضرنا الكبرى، ومكناس من بينها بطبيعة الحال.