خطبة العيد!

المختار الغزيوي الثلاثاء 16 أبريل 2024
No Image

 

أعجبتني خطبة رجل محترم، أو هكذا يبدو ظاهريا، يسمى إبراهيم بقلال خلال خطبة العيد السعيد. 

امتطى الرجل صهوة المنبر في المناسبة السعيدة، وتحدث لغة عربية سليمة، راقية، رائقة، يشهد الله، ونشهد نحن بعده بذلك، وتحدث أو هو أراد الحديث عن مدونة الأسرة، وعن النقاش الذي يدور بين جزأين من المجتمع حولها (فيما المجتمع ذاته غير مهتم أو هكذا يبدو، والله أعلم)، جزء يقول عن نفسه إنه حداثي، وهذه مسألة لازالت تنتظر في المغرب كثير الدلائل والإثبات، وجزء آخر يقول عن نفسه إنه "إسلامي"، وهذه أيضا فيها نظر وأيما نظر. 

المهم، استمعت لخطبة الرجل، ولم أكن أعرفه من قبل، فوجدت فيها حماسة منقطعة النظير، ونشاطا وانتصارا لما يعتبره هو الدين الحق، وكلاما متوثبا عن المدونة ونقاشها وعن معارضيها والأنصار، وكل ذلك أمر عادي ومحمود، لم يسئ إليه إلا خروج الخطيب كل مرة عن جو العيد السعيد، بسب المخالفين له المختلفين عنه في التصور وطريقة النظر للأشياء، فهم مرة حسب كلامه "فشلة اجتماعيا وأسريا"، وهم في مرات أخرى "ملاحدة ملاعين علمانيون"، إلى آخر كلمات يصعب الربط بينها في الجملة الواحدة لمن كان يعرف حقا معنى كل واحدة من هاته الكلمات، ومع ذلك لا بأس. 

لماذا نقول لا بأس؟ 

لأن الدفاع عن الدين أمر حسن، حتى وإن كان المرء مخطئا من البدء حتى الختام في الطريقة، إذ النية هنا حسنة، وهي الانتصار لدين الله، والذود عن حماه ضد أطراف اعتبرها الخطيب خطيرة وتريد بنا السوء جميعا، لذلك لا إشكال، وإن غلبت حمية تقترب من وصف "الجاهلية" الرجل، فأدت به إلى فجور في الخصومة لا يليق بمن اعتلى المنبر، لكنها أمور تقع…

طبعا، هناك بعض النبلاء من ذوي حسن الخلق والطباع ممن استنكروا إقحام موضوع خلافي مثل هذا في خطبة يوم سعيد أغر، عظيم عند الله، مثل يوم العيد، وقالوا إنه لم يكن يليق ببقلال أن يفسد على الناس حسن أدائهم للشعيرة الدينية بكلام له فيه انتماء سياسي واضح، وهوى خلافي ظاهر، لكن هاته هي الأخرى تظل نقاشا مقبولا نأخذ منه ما نشاء، ونترك منه ما نريد. 

هناك أيضا مواقع في الأنترنيت تقول عن نفسها إنها "إسلامية"، والله أعلم بنا وبها، وبسريرة كل واحد منا فوق هاته الأرض، كتبت عناوين مضحكة لا علاقة لها بالصحافة، وهذا عادي لأن أهل هاته المواقع اللطيفة والمسكينة لم يكونوا أبدا، ولن يكونوا في يوم من الأيام على كل حال، صحافيين، من قبيل "خطبة العيد التي أرعبت بني علمان"، أو "الخطبة التي أدخلت الإرهاب إلى قلوب الحداثيين"، أو "شاهد قبل الحذف: الخطيب بقلال يقصف ولايبالي"، إلى آخر هاته المضحكات المبكيات التي ابتلينا بها في العصر الحجري الحالي للصحافة، الذي جعل كل من هب من فراشه، ودب على الأرض دبا، يقول عن نفسه إنه "إعلامي وصحافي"، مما لم نعد نرغب حتى في الاعتراض عليه أو مناقشته، ما دمنا قد وصلنا إلى قاع لا قرار له، ولم نعد نطمع في شيء على الإطلاق في هذا المجال. 

المهم، من كل هذا، استمتعت في هذا العيد السعيد، بالخطبة، وبحماسة المنتصرين لها، وبطريقة خوضنا لنقاشات مجتمعية مصيرية وجد حاسمة وحساسة، بهذا الشكل الكاريكاتوري العجيب، الذي يقوم على حشد اللايكات والجيمات والنصرة الافتراضية عبر الأنترنيت، معتقدين فعلا أننا نحسن لديننا ولوطننا ولمختلف قضايانا بهذا النوع الغريب من النقاش الذي يدل فقط على ما يدل عليه مما لا حاجة لقوله أساسا. 

في ختام استمتاعي، وجدتني أسأل نفسي (هذه لازلت قادرا عليها إلى حين)، إن كان الموضوع قد حسم فعلا بسب الرأي الآخر من على منبر هو ملك للجميع؟ 

لم أجد جوابا، للأمانة وللحق، لكنني لم أنزعج، فأنا، ومعي المجتمع الذي نعيش فيه، مغاربة نحيا في المغرب، ونعرف أن للبيت ربا يحميه، وأن مصلحة البلاد والعباد مضمونة هنا، وأن وطني لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، لكنه لا يرضى في الوقت ذاته بالظلم وبقائه واستمراره خصوصا إذا كان ظلما يمارس باسم قراءة غير صحيحة كثيرا للتراث. 

ارتحت لخلاصتي، وتساءلت عن قلق الجهة الأخرى، وكل هذا النزق الذي يند عنها، من أين أتى؟ ولماذا يظهرون كل هذه العدوانية، والنقاش صحي وسائر في الوطن بشكل مسؤول وجد سليم؟ 

حقيقة لم أجد جوابا مطمئنا، وتلك فعلا مشكلة حقيقية، لنا ولهم، وللجميع.