مسار إجباري

طارق جبريل الاثنين 15 أبريل 2024
No Image

مسلسل «مسار إجباري» واحد من أهم الأعمال الدرامية لشهر رمضان الجاري. يبتعد العمل الفني، الذي تقوده المخرجة نادين خان، خريجة المدرسة الواقعية لوالدها المخرج الكبير محمد خان، عن دراما الحارات الشعبية وخيانة الأصدقاء والأهل المعتادة، لكنه بالمقابل يغوص في قضايا وانشغالات الطبقة الوسطى وتناقضاتها من خلال أسرتين منفصلتين تكتشفان أنهما تتشاركان الأب نفسه. من هنا تبدأ أولى رسائل خان حول تعدد الزيجات، ونحن في خضم نقاش كبير وجدل حول مدونة الأسرة التي تم تسليم مقترحات صياغتها مؤخرا إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش. تبدأ الأحداث بهذه الجزئية بين أخوين غير شقيقين وبالصدفة نتيجة مرض والدهما والذي أجل هذا اللقاء كثيرا، وهنا تبدأ الرسالة الثانية في السيناريو، الذي كتبه باهر دويدار ومن سيناريو وحوار أمين جمال. رسالة أن يكتشف الأخوان غير الشقيقين بعضهما بعضا وهو الجانب الأهم في العمل ككل ومحاولة أن تستوعب الزوجتان وجود أسرة أخرى من نفس الزوج.

تنقل لنا نادين خان حبكة السلسلة الرمضانية عبر كل من الممثلين أحمد داش وعصام عمر من خلال اختلاف شخصيتيهما ومحاولتهما أن يبعدا أسرتيهما وكذا سمعة والدهما التي تلطخت بمشاركته لعصابة لتسويق الأدوية الفاسدة وذلك عبر تزوير تقرير حول جريمة قتل من خلال عمله في مصلحة الطب الشرعي.

مثلت العلاقة الناشئة بين «على» و«حسين» أهم عامل جذب واضح في الحبكة الدرامية وكذا الاختلافات بين أسرتيهما رغم الانتماء الطبقي الواحد ومشاركة الأب. تمكنت خان من توظيف الإمكانيات المهولة لهذين الشابين الموهوبين عبر حوارات غاية في المتعة والتي تفتح أبوابا متعددة للنقاش وذلك من خلال إطارات تصوير حرفية ومتقنة لدرجة كبيرة، رسخت لدى المشاهد مقدرتها في تحويل قصص الطبقة الوسطى إلى أعمال درامية راقية دون أن نغفل اهتمامها الخاص بخلق أبطال شباب بعيدا عن النجومية المعتادة. لم تركن للصراع التقليدي للخير والشر والفساد وطرق محاربته، لكنها حاولت أن تعكس مشاكل ومشاغل جيل صغير نسبيا في السن في بناء درامي محكم وعبر حوارات خاصة قادت المشاهد إلى مشاكل جيل يتلمس طريقه رغم الكم الهائل من المعرفة والتكنولوجيا التي يتسلح بها وذلك عبر أخوين يبدآن علاقتهما من الصفر وهما في ريعان الشباب.

للوهلة الأولى قد تبدو فكرة العمل بسيطة أو جرى التطرق إليها أو إلى جزء منها لكن تناولها جاء بصورة مبتكرة ومحكمة وفيه الكثير من الرشد لمخرجة شابة تتلمس خطواتها بحرفية كبيرة.

قدم مسلسل «مسار إجباري» قصة جيدة لنجاح طاقم شاب دون أن يحس المشاهد بالملل أو يقع في فخ التفاصيل غير المترابطة أو التراخي الفني وهو دون شك شهادة نجاح أخرى لنادين خان وطاقمها الشاب وعلاقة فارقة في مسار النجمين عصام عمر وأحمد داش وبزوغ نجمة وإن كانت صغيرة في السن وهي الممثلة ياسمين العبد التي قامت بدور «فرح».

إنا لله.. «مسار إجباري» قدم رسائل اجتماعية ومستوى فنيا رفيعا وفتح باب النقاش في قضية تعدد الزوجات من خلال الجانب النفسي والاجتماعي.