أعلى نسبة مشاهدة!

المختار لغزيوي الثلاثاء 26 مارس 2024
No Image

يطرح المسلسل المصري المعروض خلال شهر رمضان الفضيل الحالي، "أعلى نسبة مشاهدة"، حكاية هؤلاء التائهين والتائهات في عوالم الأنترنيت، ممن عثروا على مورد رزق في منصات المشاهدة من خلال التعري على الناس.

التعري هنا ليس بالمعنى الحرفي، وإن كان مطروحا هو الآخر في المسلسل، بل بالمعنى المجازي الذي يجعل اللاهث وراء أموال الأدسنس، ملزما بالتعري اللفظي والأخلاقي والمعرفي والديني والاجتماعي والعائلي والفني والثقافي، أمام أنظار جمهور لايعرفه، وكل رابطه بهم هو رغبته، بل أمله، في أن تغري عملية التعري هاته هذا الجمهور، فيقضي أمامها وقتا كافيا لجعل مداخيل هاته المشاهدة تصل إلى جيب هذا المتعري.

من خلال حكاية فتاة مصرية بسيطة، تدعى شيماء، تجد نفسها، دون سابق إعداد لذلك وسط زوابع الأنترنيت، ووسط انقلاب كامل في حياتها، ماديا ومعنويا، يقدم المسلسل ببساطة، لكن بذكاء، جزءا من معضلة هذا الوقت الذي نحياه، والتي تحول بموجبها عاطلون وعاطلات عن العمل إلى مداومين رسميين أمام شاشات هواتفهم، يجبرون أنفسهم يوميا على اقتراف "شيء ما" قد يثير الانتباه أو الفضول أو التقزز أو الاشمئزاز أو السخرية أو الدهشة أو التأثر أو أي نوع آخر من أنواع التفاعل باستثناء اللامبالاة التي تعد العدو الأول لهاته الكائنات، والتي تسبب لهم فقدان المداخيل أي فقدان مبرر الوجود تماما.

ويلقي المسلسل بذكاء القبض على هاته الحالة عندما يفقد أحد هؤلاء التائهين أو التائهات قناته (مصدر قوته) على الأنترنيت، ويشرع في البكاء والنحيب أمام أنظار الغرباء، لأنه يعتبر تلك القناة سبب وجوده الوحيد في الكون، ومورد العيش الوحيد الذي توفر له في ظل عجزه عن تدبر أمر عمل حقيقي.

مسلسل التقط نبض المجتمع (ليس المصري أو العربي فقط بل العالمي) في هاته اللحظة، وعلاقة هذا المجتمع بمنصات المشاهدة التي أصبحت علاقة مرضية بالفعل، وأظهر العواقب الوخيمة التي يمكن أن تنتج عن استسهال تلقي المال مقابل التعري بكل أنواعه، وهي عواقب غير متخيلة، بل حقيقية، طالما أننا نعرف هنا في المغرب على الأقل عددا كبيرا من هؤلاء التائهين والتائهات الذين انتهوا في السجن بسبب هوس المشاهدات هذا، مثلما يقع بالتحديد لبطلة المسلسل.

مجددا دراما مصر الرمضانية تتجرأ على المواضيع وهي ساخنة، ولاتنتظر مرور الوقت وتعرض هاته التيمات للبرودة القاتلة لكي تطرقها بعد حين، وهذه مسألة تحسب لهاته الصناعة التلفزيونية الرائدة عربيا.

يبقى السؤال الضروري ختاما : كم تائها وكم تائهة في عوالم الأنترنيت لدينا في المغرب تعرف على نفسه أو تعرفت على نفسها في هذا المسلسل الذي يستحق فعلا المشاهدة؟؟؟