رحمة رمضان

محمد أبويهدة الاثنين 18 مارس 2024
No Image


يكتنز المغاربة الكثير من الخير. يبدو ذلك جليا في اللحظات العصيبة. وخلال رمضان أيضا تتحرك السواعد للعمل على تقديم المساعدة للآخرين.

دعك من لحظات الغضب المنفلتة ومن السباب المتبادل ومن الانفعال الجامح ومن فترات التشنج ومن المعارك الكبرى لبعض الأحياء والدروب والتي تحفل بها ساعات ما بعد العصر، ومن جموح القطعة والمقطوعين. ودعك من الفعل الشاذ، الذي لا نقيس به وعليه، والذي لا تؤسس عليه قاعدة... ثمة خير.

لقد بث الأسلاف في المجتمع هذه الخصال ومن التراحم بين المتجاورين في السكن امتد ذلك إلى الكثير من الأحياء حيث تنصب خيام وموائد الرحمان لاستقبال أشخاص بدون مأوى وتوزيع وجبات الإفطار بل وتنظيمها بعين المكان حتى يكون الإفطار بشكل جماعي فيما يشبه تقاليد العائلة.

عدد من جمعيات المجتمع المدني وسعت هذه المبادرات وحافظت عليها وطورتها لتخرج من التجمعات السكنية وتشمل فئات بعينها تعاني من الهشاشة مستهدفة تارة الأرامل، وتارة أخرى المسنين، وتارة ثالثة ذوي الاحتياجات الخاصة وعائلاتهم أو تستهدف أشخاصا بدون سكن قار.

وحتى في العالم القروي، الذي يستحق تضامنا أكثر، يعمد شبان بعض القرى الذين انتظموا في جمعيات إلى تنظيم وجبات إفطار وعرضها على عابري السبيل من السائقين المهنيين الذين يقطعون المسافات الطويلة ويمضون نصف عمرهم على الطريق، وهي وجبات يستفيد منها كل المسافرين الذين يعبرون عبر تلك القرى خلال سفرهم أو تنقلاتهم، بل من هؤلاء الشبان من يقصدون رأسا المحطات النائية للطرق السيارة من أجل تقديم وجبات الإفطار.

تقاليد الأسلاف المثقلة بالكرم امتدت إلى بعض المؤسسات التعليمية، حيث تعمد الأطر التربوية خلال هذا الشهر إلى توجيه التلاميذ من أجل جمع المساعدات العينية فيما بات يصطلح عليه بقفة رمضان وتنظيمها بهذه المدارس ثم توزيعها على الأسر المعوزة.

هذه المبادرات اجتاحت كذلك المراكز التجارية التي تعمل بالتنسيق مع بعض الجمعيات أو النوادي الاجتماعية، التي ينظمها طلبة الكليات وبعض المعاهد الجامعية الخاصة لتنظيم حملات في إطار قفة رمضان.

جميلة هذه الرحمة التي تسكن قلوب الناس في هذا الشهر الفضيل. لكنها رحمة يجب أن تتجاوز حدود الموائد وحاجيات الاستهلاك، لتطال مجالات أخرى.

اختلافاتنا الدينية تخلو من الرحمة. لاسيما في معتقداتنا الدينية بالأساس إذ لا يكفي إيماننا بنفس المعتقد، لتذويب الخلاف، بل إن اختلافات التأويل والفهم تطغى على ممارستنا العقدية بل تذهب بالبعض إلى الاصطدام الحاد والإخراج من الملة، علما أن الباب مفتوح دائما للمجتهدين، بما لا يفسد العقيدة لا سيما فيما يدعو إلى اليسر والرفق بالناس.

اختلافاتنا الفكرية والسياسية والأيديولوجية تبدأ دائما بجدال عقيم وتنتهي بالقطيعة أو التخوين.

اختلافاتنا الرياضية أصبحت تنتهي على وقع السلاح الأبيض والدم بعد أن تكون قد بدأت بالسب والشتم.

الاختلاف رحمة، كما تقول الحكمة.