إنسانية ملكية من تازة إلى غزة

يونس دافقير الأربعاء 13 مارس 2024
No Image

لا تحل "قفة رمضان" مشكلة الفقر. ذلك عمل له مجاله، سياساته وأدواته، في "عملية رمضان"، كما في "محفظة الدخول المدرسي"، يوجه الملك محمد السادس المواطنين نحو تمرين التضامن الإنساني الوطني، رمضان لحظة دينية بإسلام مغربي، وهي مناسبة لاستثمار رأسمال قيمي يكاد يكون استثناء مغربيا.

هو استثمار في الآن وفي المستقبل، تلك الخمسة ملايين أسرة التي تستفيد من المبادرة الملكية هي خزان نموذجي لخيرات رمزية تعطي أكثر منها وقت الحاجة، لنتذكر ملحمة تضامننا الإنساني في زلزال الحوز، تلك المشاهد، التي أبهرنا بها شعوب العالم، لم تأت من فراغ، كانت ثمرة تمرينات تضامنية لم تتوفف مهما كانت الظروف.

لقد أخرجت منا حركة الجبال مخزوننا الإنساني، وفجرت، كما فجرت ينابيع مياه راكدة، قيمنا الأصيلة، تلك الذي جمعناها، صقلناها، واكتنزناها عبر الكثير من تآزرنا المغربي عبر تاريخنا القريب على الأقل، لقد ظهر " مول البيكالة" بنصف كيس دقيق، كمنتوج خالص لهذه السيكولوجيا المغربية العميقة.

تبنى الأمم بالقيم أكثر ما تبنى بالأموال، ما يبنى على المال يزول لأن الخيرات المادية من طبعها الزوال، وما يبنى بالقيم يدوم ويصمد، وملك المغرب يعي جيدا هذه الوصفة ويحرص عليها، في أزمة كوفيد حيث توقفت اقتصاديات العالم، وقف العاهل المغربي كمايسترو للتضامن الوطني، ينبغي ان نعترف ان قيمنا الانسانية هي ما جعلنا نعبر من ضفاف الموت بسلام نحو الحياة التي نعيشها الآن.

وفي المغرب كما في فلسطين، وفي غزة تحديدا، يحرص ملكنا على ان يكون تضامننا القومي منزها عن الحسابات الضيقة، وعن البوليميك، وحتى عن البحث عن الغفران، إنها نفس الإنسانية المغربية، في تازة كما في غزة، لا أحد منهما يسبق الآخر أو يتأخر عنه، تماما كما ان قضية فلسطين هي قضية الصحراء بالنسبة إلينا.

جسر المساعدات الإنسانية نحو غزة والضفة الغربية، هو استمرار لنفس القيم الموصولة التي بنت مستشفى ميداني لعلاج مصابي عدوان الاحتلال في 2012 و 2018، وهي نفس القيم التي حكمت تمويلات وكالة بيت مال القدس التي يرأسها العاهل المغربي، في القدس تحمل المغرب وحده أعباء مساعدة الفلسطينيين على الصمود، في الوقت الذي كان فيه آخرون يوزعون كثيرا من الشعارات وصفرا من الأفعال.

منذ اندلاع الحرب في السابع من اكتوبر ظل الملك محمد السادس يركز، من بين مداخل اخرى لاستعادة السلم في الشرق الأوسط،على ضرورة فتح المعابر في وجه المساعدات الانسانية إلى غزة، قليلون أخذوا ذلك على محمل الجد، وبعضم فعل من باب تسجيل الموقف ورفع العتب لا غير.

في لحظة ما أصبحت مشاهد الموت جوعا تصيب بالخزي المتواطئين في حصار التقتيل، كان عليهم فعل شي ما، ليس من باب القيم الانسانية الأصيلة، فعلوا ذلك بضغط من إفلاسهم الأخلاقي، ورطتهم أمام شعوبهم، ووخز آخر ما تبقى من ضمير.

يختلف المغرب عن هؤلاء، في القيم كما في المنطلقات والغايات، النقطة العربية الأبعد من غزة هي الأقرب إليها إنسانيا، وهذا التميز ظهر عمليا، حين شرعت الطائرات الغربية في إلقاء "إنسانيتها" من السماء، استغل العاهل المغربي هذا الثقب في جدار الحصار، أقام جسره الجوي، ولم يكتف بالأكياس التي تحملها بالونات الهواء.

تعلمنا مغربيا في زلزال الحوز ان الإمداد للجوي ليس فعالا كما ينبغي، للحفاط على جودة المواد كما على حسن توزيعها واستخدامها، وفي غزة تعامل معه العاهل المغربي باعتباره الممكن المتاح مرحليا، دون الاكتفاء به واعتباره إبراء للذمة.

لاحظ الجميع ان المغرب هو البلد الوحيد الذي أدخل جانبا من مساعداته برا عبر معبر " كرم أبو سالم"، ومنهم من تساءل عن سر هذا التفوق المغربي. المسألة ببساطة ان الملك لديه أوراق يعرف متى يضعها فوق الطاولة، وفوق طاولة ‘‘ كرم أبو سالم " عبرت المساعدات المغربية إلى غزة. هل نذكر هنا ببعض الذين يتشدقون بشعارات قومجية ثورية فارغة؟ لاداعي لذلك، الوقائع تنطق بكل شيء.

في المغرب تأتي "قفة رمضان" لاستنهاض قيمنا الدينية والمغربية الأصلية، أما الفقر فنجتهد فيه في بناء منظومة الحماية الاجتماعية وخلق الشغل واصلاح التعليم وموارد الصحة ..

وفي غزة يحمل جسرنا الجوي إنسانيتنا المغربية إلى أشقائنا الفلسطينيين في نكبتهم المؤلمة لنا، دون ان يكون ذلك سقف التزامنا القومي، وكما قال يوسف العمراني سفير جلالة الملك في واشنطن" هذه المبادرة التي اتخذناها، همنا الوحيد فيها هو دعم الشعب الفلسطيني وحمايته. وسنبذل أفضل ما بوسعنا للتعامل مع التحديات الديبلوماسية".