آمنة بوعياش .. نبوغ حقوقي مغربي

سكينة بنزين الأربعاء 06 مارس 2024
No Image

من الصدف أن يتصدر اسم آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المشهد قبيل اليوم العالمي للمرأة، ضمن سياق خاص يعرفه المغرب حول نقاش المدونة التي تهم الأسرة عموما والمرأة على وجه خاص، ففي الوقت الذي حصدت الحقوقية، جائزة نساء المستقبل 2024، تقديرا لالتزامها بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، تتعرض في ذات الوقت لهجوم شرس من طرف التيار المحافظ، بعد الجدل الذي أثارته مذكرة المجلس حول مراجعة مقتضيات مدونة الأسرة.

زواج في سن 15 عاما

ليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها ابنة الحسيمة التي رأت النور بتطوان، للهجوم بعد أن اختارت منذ عقود الاشتغال على أكثر المواضيع جدلا، بداية بالدفاع عن معتقلي الرأي سنوات الرصاص، وصولا للحريات الفردية، والعلاقات الرضائية، والمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، وإسقاط العقوبات عن أفعال يجرمها القانون وينبذها المجتمع ... معتبرة التعاطي الحالي مع عدد من القضايا، مساهمة في تأجيج المزيد من المشاكل المجتمعية دون أن تفلح العقوبات في القطع معها.


ومن المفارقات الكبيرة، أن الحقوقية المدافعة بشراسة عن حقوق النساء، وفي مقدمتها تجريم زواج القاصرات، قد تزوجت عن حب وهي في سن الخامسة عشرة، من رفيق دربها الذي كان وقتها يبلغ من العمر 18 سنة، مشيرة أن أسرتها أذعنت لرغبتها في الزواج من الشخص الذي تحبه، قبل أن يكون هذا الحب سببا في اقتحامها لعالم النضال في سن مبكر، وذلك بعد اعتقال زوجها الناشط وقتها ضمن تنظيم ماركسي سري.

بعد أشهر من الاعتقال وعدم معرفة مكان الزوج، تمكنت بوعياش من رؤية شريك حياتها خلال محاكمته سنة 1977، لتتولد لديها رغبة في العمل النضالي الذي لم تغادر ساحته لحدود اليوم، "شعرت يومها بالظلم لرؤية أشخاص اعتقلوا وعذبوا فقط لأنهم عبروا عن رأيهم، لحظتها فكرت كمغربية هل من الممكن أن أقوم بشيء تقول بوعياش في إحدى لقاءاتها الصحافية.

لقاء الملك

زواج بوعياش المبكر لم يقف عائقا أمام استكمال دراستها، حيث تمكنت من استكمال دراستها الجامعية في علوم الاقتصاد، كما تمكنت من الاشتغال لمدة إلى جانب عالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي، حول حقوق المرأة المسلمة، وقد مكنها الحديث بأربع لغات من نشر عدد من المقالات التي تعالج مواضيع حقوقية متنوعة، ما سمح لها بالانفتاح على تنظيمات وتجارب دولية في المجال الحقوقي، دون إغفال عملها لجانب أسر المعتقلين، ولعل هذا ما يجعل مطلب "سمو المواثيق" الدولية حاضرا في حديثها وتقاريرها.

عينت بوعياش ما بين 1998 و 2002، مستشارة إعلامية ضمن مجلس الوزراء في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، وشغلت بين 2006 و 2015 منصب رئاسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، لتكون بذلك أول امرأة مغربية تترأس منظمة حقوقية وطنية،حيث ركزت اهتمامها على قضايا تهم التعذيب، واللاجئين، والمرأة، وعقوبة الإعدام ، ومنصب نائبة أمين عام لجنة الإشراف المكلفة بإعداد خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان (2008-2010)، وتفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.
ما راكمته من تجارب جعلها من الشخصيات الحاضرة ضمن اللجنة الاستشارية لتعديل دستور 2011، وقد كان هذا الموعد من المشاهد الراسخة في ذاكرتها، وفق ما باحت به ذات مرور على قناة " بي بي بس" ، حين أشارت أن طريقة تعامل الملك محمد السادس معها كامرأة مناضلة متواضعة، ومن أسرة ريفية أمازيغية محسوبة على منطقة معارضة للملك الأب الراحل الحسن الثاني، شكل لحظة قوية في أول لقاء بالملك، وطريقة تعامله التي تنم عن الكثير من التقدير.

دبلوماسية حقوقية

في سنة 2016، ستتقلد بوعياش منصب سفيرة المغرب بالسويد وجمهورية لاتفيا، وفي دجنبر 2018، سيتم تعيينها رئيسة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، لتثير الجدل من جديد بسبب مواقفها من مواضيع تسيجها نظرة المجتمع المحافظة، معتبرة أن عددا من المشاكل تحتاج للحديث عنها بشكل صريح ومسؤول، حتى لو لم يتفق معها البعض، مع التأكيد أن التوسع في الحديث عن الحريات، سيسمح بظهور المزيد من المواقف والآراء على السطح.

حصلت بوعياش على عضوية عدد من المؤسسات الوطنية والدولية، في مقدمتها عضوية مجلس إدارة مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، و لجنة القانون الإنساني الدولي، و منتدى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والمنتدى الأفريقي للمراقبة المدنية للشرطة ومكافحة العنف، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان ولجنة المنظمات غير الحكومية لإصلاح جامعة الدول العربية؛ ومجموعة العمل التابعة للشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان حول "حرية تكوين الجمعيات".

وشح الملك أمنة بوعياش، الحائزة على مجموعة من الجوائز الوطنية والدولية، خاصة بصفتها مدافعة عن حقوق الإنسان، بوسام العرش من الدرجة الثالثة (ضابط) ووسام العرش من درجة فارس تقديرا لإسهاماتها كعضوة في اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، كما تم منحها سنة 2014 وسام جوقة الشرف الوطني برتبة فارس للجمهورية الفرنسية.