بلمقدم لأحداث. أنفو : الذكاء الاصطناعي يوفر فرصا للازدهار وهذه سبل استخدامه الآمن في التعليم

سكينة بنزين الاحد 03 مارس 2024
No Image

يحظى نقاش الذكاء الاصطناعي باهتمام كبير، حيث يتصدر اليوم عددا من عناوين الندوات المنظمة من طرف جهات اقتصادية،صحية، تعليمية ...أو يتخلل توصيات لقاءات دولية تحتضنها المملكة، كان آخرها فعاليات الندوة الدولية حول "التربية الإعلامية" بمقر الإيسيسكو بالرباط، التي دعت إلى إعداد ميثاق شرف مهني وتشريعي وأخلاقي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في العمل الإعلامي.

وفي ذات السياق، انخرط مجلس النواب منذ أسابيع في مناقشة الموضوع، عبر مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة حول " الذكاء الاصطناعي آفاقه وتأثيراته"، التي تنكب على إعداد تقرير شامل حول حضور الذكاء الاصطناعي بالمملكة، و تداعياته وتحدياته والمخاطر المفترضة.

ولتسليط الضوء على موضوع الذكاء الاصطناعي، وما يرتبط به من مكاسب وسلبيات، نناقش في الحواء التالي عددا من المحاور مع عبد اللطيف بلمقدم، رئيس المعهد الوطني للابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، الذي يرى في عالم الذكاء الاصطناعي، فرصة لتمكين المغرب من رفع قدرته الإنتاجية، وتعزيز علامة "صنع بالمغرب"، وخطوة للاستثمارات المشجعة للابتكار على خطى الدول المتقدمة في هذا المجال.

- كيف ترى المغرب ضمن خارطة التحولات التكنولوجية؟

في نظري، المغرب يسعى جاهدا إلى إيجاد مكانته كلاعب في عالم الذكاء الاصطناعي المتطور، من خلال قيادة ملكية حكيمة، تسعى لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات الحيوية للمملكة.

إحدى المبادرات المهمة والرائدة افريقيا وعالميا هي إنشاء جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية في بن جرير، والتي تضم أقوى أجهزة الحواسيب العملاقة في العالم لتخزين ومعالجة البيانات. وتهدف هذه الجامعة إلى ربط المغرب وإفريقيا والعالم، لتكون بمثابة مركز للأبحاث والتعليم في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة.

علاوة على ذلك، انفتح المغرب على إمكانات الذكاء الاصطناعي في دفع النمو الاقتصادي والابتكار. حيث ان الاستراتيجية الوطنية للانتقال الرقمي 2030 رغم بطء سرعة تنزيلها حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات ، إلا أنها تروم جعل الرقمنة رافعة للتنمية السوسيو اقتصادية بالإضافة إلى الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز وتسخير قوة التكنولوجيا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية..

دون أن ننسى شروع المغرب في توفير البنية التحتية التعليمية وذلك من خلال إنشاء مؤسسات تعليمية في سلك التعليم العالي تُعنى بالأبحاث الخاصة بالذكاء الاصطناعي. من أجل تكوين رأسمال بشري متخصص قادر على مواكبة التحديات المرتبطة بالتحول الرقمي والانخراط في مجتمع المعرفة.

- يتم تداول مصطلح "الذكاء الاصطناعي" بشكل كبير، لكن بدرجة استخدام وفهم متفاوتة، أي القطاعات أكثر استعدادا لاستثمار الفرص التي يوفرها هذا المجال؟

أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمثل على نطاق واسع قوة مخلة بالنظام التقليدي بالنسبة للمؤسسات العمومية والخاصة وهو مجال متشعب ورئيسي، وفي هذه الظرفية إذا كنا نتحدث عن مواكبة للذكاء الاصطناعي العالمي فلا بد من مواكبة شاملة واستثمار في جل القطاعات الحيوية والتي تشمل البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، والقطاع المالي والطاقات المتجددة والرعاية الصحية والقطاع الصناعي، بالإضافة إلى الاستثمار في التعليم والأبحاث من أجل خلق جيل فاعل ومواكب لثورة الصناعة التكنولوجية من أجل تحصين مستقبلهم المعرفي والمهني.

غالبا ما تكون شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة من أوائل المتبنين والمستثمرين قبل القطاعات الحكومية في مجال الذكاء الاصطناعي نظرا لمواردها وخبراتها في تطوير وتنفيذ التقنيات الذكية. بالإضافة الى قطاع الخدمات المالية من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات، ويمكن أن يؤدي التحليل الذكي لهذه البيانات إلى اتخاذ قرارات أكثر دقة وكفاءة في مجالات مثل إدارة المخاطر والتجارة والتأمين.

ويتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على إحداث تحول كبير في قطاع الرعاية الصحية، والمساعدة في تشخيص الأمراض، وتحسين الرعاية الطبية الشخصية، وتسريع اكتشاف الأدوية.
كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد المؤسسات الصناعية بشكل كبير من خلال تحسين عمليات الإنتاج والصيانة من خلال تحليل البيانات الذكي والصيانة التنبؤية وتعزيز كفاءة الإنتاج.


- الحديث عن الفرص المتاحة، تقابله تخوفات داخل عدد من التخصصات، هل الذكاء الاصطناعي قادر على تهديد بعض المهام البشرية، وبالتالي المساهمة في فقدان مناصب شغل بدل توفيرها في المغرب؟

يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على إحداث ثورة في مختلف الصناعات من خلال تبسيط المهام وزيادة الكفاءة. ومع ذلك، من المهم النظر في تحول الوظائف الحالي والمحتمل الذي قد ينجم عن تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في جميع المجالات.

تتمتع أيضا أنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل الأتمتة والتعلم الآلي المعمق، بالقدرة على أداء المهام الروتينية والمتكررة والمعقدة بدقة وكفاءة أكبر من الإنسان. وبالتالي، فإن الوظائف التي تتطلب العمل اليدوي، وإدخال البيانات، وخدمة العملاء، وحتى بعض الخدمات المهنية تواجه خطر الأتمتة بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي.

في حين أن الأتمتة قد تؤدي إلى إزاحة الوظائف في قطاعات معينة، إلا أن لديها أيضًا القدرة على خلق وظائف جديدة وتحويل الأدوار الحالية. ومع أتمتة المهام، تظهر فرص جديدة للأفراد للتركيز على الأنشطة ذات القيمة الأعلى التي تتطلب مهارات بشرية مثل الإبداع والتفكير النقدي والذكاء العاطفي وحل المشاكل. بالإضافة إلى ذلك، فإن تطوير وتنفيذ وصيانة أنظمة الذكاء الاصطناعي نفسها تخلق فرص عمل في مجالات مثل علوم البيانات، وهندسة البرمجيات، وأبحاث الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني.

لذلك، من الضروري تحيين الاستراتيجيات الكبرى والسياسات العمومية المتعلقة بهذا المجال مع ضرورة التعامل بشكل استباقي مع التحديات والفرص المرتبطة باعتماد الذكاء الاصطناعي. ويشمل ذلك الاستثمار في برامج التعليم وتحسين المهارات لإعداد الثروة البشرية لوظائف المستقبل، وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال في المجالات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وتنفيذ السياسات التي تضمن الانتقال السلس للوظائف المتأثرة.

في حين أن الذكاء الاصطناعي قد يعطل بعض المهام البشرية في مختلف الصناعات، فإنه يقدم فرصة للأفراد والشركات للتطور والازدهار. ومن خلال تبني الذكاء الاصطناعي والاستثمار في البنية التحتية اللازمة، يمكن للمغرب أن يقود الطريق في جني فوائد هذه التكنولوجيا العالية الدقة.

التدريس من المجالات المثيرة للجدل بالنسبة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، فرغم إيجابياته في توفير المادة العلمية، إلا أنه قد يتحول إلى عامل يعيق تكوين التلميذ في البحث الجاد، إلى أي حد هذا التخوف مبرر، وما هي سبل الاستخدام الآمن ؟

صحيح، هناك قلق متزايد بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، وخاصة في التدريس، بسبب الخوف من أنه قد يعيق مهارات تنمية التفكير النقدي ومهارات البحث لدى التلميذ. في حين أن استخدام الذكاء الاصطناعي له فوائده، مثل توفير المواد العلمية وتجارب التعلم الشخصية، إلا أن له أيضًا عيوبًا محتملة تحتاج إلى معالجة عميقة وجذرية.

أحد الأسباب الرئيسية وراء تبرير هذا الخوف هو الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بشكل كبير كبديل للتعليم والتفاعل البشري. إذا تفاعل الطلاب في المقام الأول مع الأدوات التعليمية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي دون فرص للمناقشة النقدية والتعاون والتجريب العملي، فقد يفوتون المهارات الأساسية مثل حل المشاكل والإبداع في طرق التفكير.

ومع ذلك، عند استخدامه بشكل مدروس وبالتزامن مع طرق التدريس التقليدية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز تجربة التعلم ويدعم تطوير مهارات البحث لدى التلاميذ. على سبيل المثال، يمكن للمنصات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تقديم توصيات مخصصة لموضوعات قراءة أو بحث إضافية بناءً على اهتمامات الطلبة وأنماط التعلم. يمكنهم أيضًا تسهيل التعليقات والتقييم في الوقت الفعلي، مما يسمح للطلاب بتتبع تقدمهم وتحديد مجالات التحسين.

فيما يتعلق بالأمن، من الضروري مراعاة خصوصية البيانات وحمايتها عند تطبيق الذكاء الاصطناعي في التعليم. يجب على المؤسسات التعليمية التأكد من أن بيانات طلابها يتم التعامل معها بشكل آمن وأخلاقي، مع اتخاذ التدابير المناسبة للحماية من خروقات البيانات وإساءة استخدامها. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون خوارزميات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في البيئات التعليمية شفافة وقابلة للتفسير، مما يسمح للمعلمين والطلاب بفهم كيفية اتخاذ القرارات والتخفيف من التحيزات أو عدم الدقة.

على الرغم من وجود مخاوف كبرى بشأن التأثير السلبي المحتمل للذكاء الاصطناعي على المهارات البحثية للطلاب، إلا أنه يمكن معالجة هذه المخاوف من خلال التخطيط الدقيق والتكامل المدروس لأدوات الذكاء الاصطناعي مع طرق التدريس التقليدية والالتزام بأمن البيانات والاستخدام الأخلاقي لأدوات الذكاء الاصطناعي. التكنولوجيا في التعليم. ومن خلال استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، يمكن للمعلم تسخير إمكاناته لتعزيز نتائج التعلم وإعداد الطلاب للنجاح في عالم رقمي متزايد.

في الختام، لابد من التفاعل الجدي عبر مختلف السياسات العمومية مع مجال الذكاء الاصطناعي لأنه مجال سيمكن المغرب من رفع قدرته الإنتاجية وتعزيز علامة " صنع بالمغرب " عبر دعم الطاقات البشرية لما يزخر به المغرب من ثروة هائلة وتوفير الفرص ودعم الشركات الناشئة والاستثمارات المشجعة للابتكار على خطى عمالقة الدول التي خطت خطوات هامة في هذا المجال.