المؤتمر الخامس للأصالة والمعاصرة.. امتحان "كيان" سياسي

أوسي موح الحسن الجمعة 09 فبراير 2024
No Image

امتحان جديد يدخله حزب الأصالة والمعاصرة نهاية الأسبوع الجاري في محطته الخامسة بعد 16 سنة من التأسيس. الرهان ليس فقط طبيعة الربان الذي سيقود الجرار للسنوات المقبلة , ولكن الاهم هو المنحى الذي سيدخله الحزب لضمان موقعه في المشهد الحزبي.

حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان منذ سنوات وافدا جديدا على الحياة السياسية, أصبح اليوم رقما مهما في المعادلة الحزبية الوطنية بشرعيته الانتخابية وقاعدته المؤلفة بالاساس من أعيان المال والاعمال وقلة من النخب المثقفة المتبرمة من الاحزاب التقليدية, بل وتحول الى منافس وغريم تلك التنظيمات التي بنت شرعيتها ومشروعيتها على المقاومة ضد الاستعمار والنضال من الديمقراطية والحداثة.


سؤال الاستمرارية يطرح بشكل ملح. فحياة الأحزاب كتنظيمات سياسية تمر من نفس مسارات الظواهر الطبيعية والبشرية. مثلها مثل الانسان في مسار حياته من الطفولة للشباب والشيخوخة, وقد يموت ويتلاشى أو يندثر مالم يتم تجديد الدماء فيه. هو نفسه مسار الانهار والوديان التي تسير في مجرى تحدده قوة المياه المتدفقة فيه, وقد تشيخ بدورها في مرحلة ما من حياتها.

ويكاد علماء السياسة المختصين في الاحزاب السياسية يجمعون أن طبيعة وهوية ومسار الأحزاب السياسية تحددها لحظة النشأة والتأسيس ومنهم بالخصوص الفرنسي "موريس دوفرجيه" صاحب الكتاب المرجع منذ سنة 1951 "الاحزاب السياسية". ذلك ما ينطبق على الأصالة والمعاصرة الذي تم إنشاؤه في 7 غشت 2008 من قبل فؤاد عالي الهمة المستقيل حينها من وزارة الداخلية, وهو اندماج لخمسة أحزاب سياسية الحزب الوطني الديمقراطي، وحزب العهد الديمقراطي، وحزب البيئة والتنمية، ورابطة الحريات، وحزب مبادرة المواطنة والتنمية,وفعاليات يسارية اجتمعت حول مشروع "حركة لكل الديمقراطيين" .

طرح السؤال منذ تأسيس الحزب هو هوية مشروعه السياسي ومدى وضوح مرجعيته, لكن تبين فيما بعد غياب الوضوح الاديولوجي لدى الحزب بسبب غياب التجانس الفكري بين مؤسسيه, وهو ما ظهر لحظة التأسيس بتكليف لحسن بنعدي بمهمة الأمانة العامة للحزب، وتخصيص أحمد أخشيشين بمنصب نائب الأمين العام المكلف بالعلاقات العامة، أما فؤاد عالي الهمة وعبد الله القادري وأحمد العلمي ونجيب الوزاني وعلي بلحاج ومحمد بنحمو، فجميعهم نواب الأمين العام أعضاء لجنة العلاقات العامة، وكلف صلاح الوديع بمهمة الناطق باسم الحزب, قبل أن يتم فيما بعد اختيار أمين عام دون قيادة جماعية في فترة الباكوري مصطفى والياس العماري وحتى حكيم بنشماس, قبل أن يعود سؤال القيادة القادرة على الحفاظ على تماسك الحزب في المحطة الخامسة التي أفضت لاختيار عبد اللطيف وهبي أمينا عاما, وبقي سؤال المرجعية معلقا ومعه المشروع المجتمعي.

واليوم أيضا يطرح ذات السؤال للحفاط على تماسك التنظيم ووحدته والتخفيف من صراعاته الداخلية والتوفيق بين طموحات النخب المكونة له, لكن أيضا يطرح سؤال الاستمرارية وتفادي الانحلال والاندثار والشيخوخة المبكرة, وهذا ما فطن اليه مهندسو الحزب باختيارهم “تجديد الذات الحزبية لضمان الاستمرارية”.. كشعار للمحطة الخامسة للحزب المزمع عقدها أيام 9 و10 و11 فبراير الجاري ببوزنيقة.

ولعل سؤال الذات الحزبية تحكمت فيه ظروف التأسيس ورهاناته, لكنها اليوم ليست هي ذاتها نفس الرهانات, ولذلك لا يمكنه كتنظيم التساهل مع بعض المنتسبين إليه والتي انكشف مع مرور الوقت تورطهم في ملفات فساد وهو ما يسىء لصورة الحزب وقد يفرمله أو يعطل عجلاته كلية. ذلك ما فطنت اليه قيادة الحزب بتجميد عضوية متورطين من أعضائه في ملف ”إسكوبار إفريقيا, وقبله اصدار قرارات ضد أعيان يعتبرون أنفسهم فوق الحزب.

لقد قالت فاطمة الزهراء المنصوري المرشحة القوية لقيادة الجرار للفترة المقبلة مالم يتم التمديد لولاية ثانية لعبد اللطيف وهبي المثير للجدل, أنه "وجب أن تكون لنا الشجاعة لنحاسب أنفسنا ونعيد التفكير في تنظيماتنا الحزبية", وهو الهم الذي أكدته في النداء الذي وجهته الى مناضلي ومناضلات الحزب يوم 6 فبراير الجاري بقولها "نريد أن نكون فوق كل الشبهات", ولن يتحمل المسؤولية في صفوفنا إلا أناس بأخلاق عالية ومبادئ صادقة وقناعات صافية".

ان رهان تجديد الذات التنظيمية بعد أزيد من عقد ونصف من التأسيس يطرح نفسه بالحاح, كما أن التخلص من الطفيليات السياسية و تجديد النخب ومعه المشروع السياسي والمجتمعي هو ما يجعل حزب الاصالة والمعاصرة اليوم باعتباره "كائنا سياسيا" أمام امتحان الاستمرارية لمواصلة المساهمة في مرحلة التحديث والتنمية.